وكان جساس مقطب الجبين تلمع عيناه لمعة الغضب، وكان شعره الطويل الأسود مضفورا في غدائر ملتوية، تهتز أطرافها مع النسيم فوق كتفيه.
وكان طويل القامة دقيق العود، ليس في لحمه فضلة من شحم تدور ملامحه؛ فبدا في وقفته تلك كأنه رمح يتكئ على رمح، وبدت تقاطيع وجهه حادة قوية، تجمعت حول فم منقبض تكاد شفتاه لا تنفرجان.
وقطع جساس السكون بعد قليل، فقال بصوت أجش: «أما لهذا الهوان من آخر؟»
فنظر الجلوس إلى أبيه الشيخ ولم يتكلموا، وانتظروا ما يقوله الشيخ لابنه الغاضب.
وكان الأب محتبيا في جلسته، جمع ركبتيه في حبل دقيق مربوط من تحت إبطيه، فلم يحل حبوته ولم يلتفت وراءه، بل قال بصوت هادئ لا يكاد يسمع، وقد زاد وجهه عبوسا: «دعنا اليوم من هرائك.»
فانفجر الفتى عند ذلك، وقد أنساه الغضب ما يجب لأبيه من توقير فقال: «إني لن أصبر على ما تصبرون عليه ها أنا ذا قد أنذرت.»
فأحل أبوه حبوته وانتفض كأنه قد أحس وخزة أليمة، ثم قام ودار بوجهه إلى ولده وصاح به: «ماذا تقول؟»
فوقف الشاب مرفوع الرأس في تحد، وقال وصوته لا يزال أجش جافا: «أقول إنني لن أصبر على الضيم، هذا رجل يسومكم الخسف ولا تتحركون، قد وضعتم أعناقكم إليه ليطأها بقدميه، ولكني لن أكون معكم في ذلك العار.»
فقال أبوه وقد اربد وجهه: «من تعني بقولك أيها الفتى الجاهل؟ أتعني سيد ربيعة؟ أتعني كليبا؟ أتعني الرجل الذي حفظ قومك من العار، وحماهم من الذل؟ أتعني وائل بن ربيعة؟»
فقال الشاب ولا يزال في صوته رنين الحقد والغضب: «نعم أعني وائل بن ربيعة. أعني كليب بن ربيعة، ذلك الذي يجعلكم عبيدا، ولا يعدكم إلا أتباعا وخدما.»
ناپیژندل شوی مخ