بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد نبيه
١ - أبو العَاصِي الحكم الربضي ابْن هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان
ولى سلطنة الأندلس بعد أَبَوَيْهِ وتلخيص تَرْجَمته من مقتبس ابْن حَيَّان أمه زخرف أم ولد ومولده سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة مدَّته سِتّ وَعِشْرُونَ سنة وَعشرَة أشهر وَعشرَة أَيَّام سنة ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة وَولى وَهُوَ ابْن سِتّ وَعشْرين وبيعته يَوْم الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة خلت من صفر سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة
صفتة أسمر طوال نحيف لم يخصب
ذُكُور أَوْلَاده عشرُون إناثهم ثَلَاثُونَ وَكَانَ أفحل بني أُميَّة بالأندلس
1 / 38
وأشدهم إقدامًا وصرامة وأنفة وأبهة وَعزة إِلَى مَا جمع لذَلِك من جودة الضَّبْط وَحسن السياسة وايثار النصفة وَكَانَ يشبه بالمنصور العباسي فِي شدّ الْملك وقهر الْأَعْدَاء وتوطيد الدولة
وَقَالَ الرَّازِيّ هُوَ أول من استكثر من الحشم والحفد وارتبط الْخُيُول على بَابه وناوأ جبابرة الْمُلُوك فِي أَحْوَاله وَبلغ مماليكه خَمْسَة آلَاف ثَلَاثَة آلَاف مِنْهُم فرسَان وهم الخرس سموا بذلك لعجمتهم وَكَانَ يَقُول مَا تحلى الْخُلَفَاء بأزين من الْعدْل وَلَا امتطوا مثل التثبت وَلَا ازدلفوا بِمثل الْعَفو وَكَانَ يستريح إِلَى لذاته من غير إفحاش وَكَانَ خَطِيبًا مفوهًا أدبيًا شَاعِرًا وَمن حكاياته المستحسنة أَنه توجه عَلَيْهِ حكم فِي أم ولد من القَاضِي فانقاد للحق وَدفع ثمنهَا لمولاها وسايره يَوْمًا زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن وَقد أرْدف زِيَاد وَلَده خَلفه فَلَمَّا انْتهى إِلَى القنطرة وَهُوَ يحادث سمع الْأَذَان فَقطع زِيَاد حَدِيثه وَقَالَ معذرة إِلَى الْأَمِير فَإنَّا كُنَّا فِي حَدِيث عَارضه هَذَا الْمُنَادِي إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ أَحَق بالإجابة وَمر إِلَى الْمَسْجِد فَلم يُنكر عَلَيْهِ شَيْئا بل زَاده حظوة وَكَانَ يكثر من مُجَالَسَته وبلى بمحاربة عيه عبد الله وَسليمَان وَكَانَا قد خرجا إِلَى بر العدوة فَلَمَّا سمعا بِمَوْت الرِّضَا كرا إِلَى الأندلس وَكَانَ السَّابِق بالعبور عبد الله تعصب مَعَه أهل بلنسية وتلوم بعده سُلَيْمَان بطنجة فَكتب لَهُ عبد الله فَجَاز إِلَيْهِ ونهص سُلَيْمَان
1 / 39
إِلَى قرطبة فَهَزَمَهُ الحكم الْهَزِيمَة القبيحة ثمَّ هَزَمه أقبح مِنْهَا وانكب بِهِ فرسه وسيق أَسِيرًا فجَاء رَسُول من الحكم بقتْله فَقتل وَشهر رَأسه بقرطبة وَسقط فِي يَد عبد الله فَصَالح الحكم على الْإِقَامَة ببلنسية وَلم يزل على ذَلِك حَيَاة الحكم واتهم الحكم عَمه أُميَّة فحبسه
نسق التَّارِيخ
سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة
غزا بالصائفة الْحَاجِب بعد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد وقف مُثقلًا بالغنائم
سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ
ظهر بهْلُول بن أبي الْحجَّاج بِجِهَة الثغر الْأَعْلَى وَملك سرقسطة وفيهَا ثار عبيد بن خمير بطليطلة فكاتب الحكم أعيانًا مِنْهَا عمِلُوا فِي قَتله
سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين
جمع لذريق بن قارلة ملك الإفرنج جموعه وَسَار إِلَى حِصَار طرطوشة فَبعث الحكم ابْنه عبد الرَّحْمَن فِي العساكر فَهَزَمَهُ وَفتح الله على الْمُسلمين وَعَاد ظافرًا
ولبث كُلَيْب فِي السجْن بداخل الْقصر سِتا وَعشْرين سنة إِذْ كَانَ الْأَمِير هِشَام هُوَ الَّذِي سجنه وَكَانَ لَهُ فِيمَا بعد ذَلِك غزوات فِي النَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ ظفر فِيهَا
1 / 40
سنة أَربع وَتِسْعين
حاصر الحكم ماردة بِنَفسِهِ
وفيهَا عصى عمروس بالثغر ثمَّ أناب للطاعة وَمَات مخلصًا فِي مُدَّة الحكم فَكَانَت ولَايَته على الثغر تسع سِنِين وَعشرَة أشهر وأيامًا
سنة سبع وَتِسْعين
فِيهَا غزا عبيد الله بن عبد الله البلنسي صَاحب الصوائف فَحل ببرشلونة فَلَمَّا كَانَ حُضُور صَلَاة الْجُمُعَة وَقد تقدم فِي ملاقاة الْعَدو صلى رَكْعَتَيْنِ وَركب فنصره الله عَلَيْهِم فَدَعَا بقناة طَوِيلَة فركزت وصفت رُءُوس النَّصَارَى حولهَا حَتَّى ارْتَفَعت فَوْقهَا وغيبت سنانها فَأمر المؤذنين فَعَلُوهَا وأذنوا فَكَانَت غَزْوَة اختال الْإِسْلَام فِي أردية عزتها دهرًا
سنة تسع وَتِسْعين
عزا الحكم طليطلة وَقد أظهر قصد مرسية فعاث فيهم أَشد العيث وَنقل وُجُوههم إِلَى قرطبة فذلوا بعْدهَا دهرًا طَويلا
سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا نكث أهل ماردة وَقَامَ بأمرها مَرْوَان بن الجليق
1 / 41
سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا كَانَت وقْعَة الربض كَانَ أصل مَا هاجها أَن بعض مماليك الحكم دفع سَيْفا إِلَى صيقل فمطله والغلام يتَكَرَّر عَلَيْهِ والصيقل يتهكم بِهِ فَأَغْلَظ الْغُلَام للصيقل وَآل الْأَمر إِلَى أَن خبطه بِهِ الصيقل فَقتله وثار الهيج لوقته كَأَنَّمَا النَّاس كَانُوا يرتقبونه فهتفوا بالخلعان وَأول من شهر السِّلَاح أهل الربض القبلي بعدوة النَّهر ثمَّ ثار أهل الْمَدِينَة والأرباض وانحاز الأمويون وأتباعهم إِلَى الْقصر فارتقى الحكم السَّطْح وحرك حفائظ جنده فآل الْأَمر إِلَى أَن غلبهم الْجند وأفشوا الْقَتْل وتتبعوا فِي الدّور
وَقتل الحكم بعد ذَلِك من أَسْرَاهُم نَحْو ثَلَاثمِائَة صلبهم على النَّهر وَكَانَ يَوْم هَذِه الْوَقْعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة خلت من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أَمر بهدم الربض القبلي حَتَّى صَار مزرعة وَلم يعمر طول مُدَّة بني أُميَّة وتتبع دور أهل الْخلاف فِي غَيره بالهدم والإحراق وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام أَمر بِرَفْع الْقَتْل والأمان على أَن يخرجُوا من قرطبة فلحق جُمْهُور مِنْهُم بطليطلة وكاتبوا مهَاجر بن الْقَتِيل الَّذِي كَانَ قد لحق بدار الْحَرْب وولوه عَلَيْهِم وَصَارَ مَعَه نَحْو خَمْسَة عشر ألفا فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وتقاتلوا مَعَ أَهلهَا فأنزلهم عبد الله بن طَاهِر جَزِيرَة إقريطش وَكَانَت حِينَئِذٍ خَالِيَة فعمروها
وَكَانَ فِي حبس الحكم يَوْمئِذٍ شبريط صَاحب وشقة وَهُوَ ابْن عَم عمروس صَاحب الثغر الْأَعْلَى فَلَمَّا سمع بثورة النَّاس قَالَ أَهِي غنم لَو كَانَ لَهَا رَاع كَأَنِّي بهم قد مزقوا فَأمر الحكم بصلبه
1 / 42
وَأغْرب الحكم فِي بأسماء حربه هَذِه عِنْدَمَا حمى وطيسها بنادرة مَا سمع لأحد من الْمُلُوك بِمِثْلِهَا وَذَلِكَ أَنه فِي مقَامه بالسطح وَعند بَصَره باشتداد الْحَرْب دَعَا بقارورة غَالِيَة فَجَاءَهُ بهَا خَادِم لَهُ فأفرغها على رَأسه فَلم يملك الْخَادِم نَفسه أَن قَالَ لَهُ وأية سَاعَة طيب هَذِه فَقَالَ اسْكُتْ لَا أم لَك وَمن أَيْن يعرف قَاتل الحكم رَأسه من رَأس غَيره ثمَّ أعتق مماليكه ووالى الْإِحْسَان عَلَيْهِم وَجعل يَقُول مَا استعدت الْمُلُوك بِمثل الرِّجَال وَلَا حامى عَنْهَا كعبيدها وَكَانَ مِمَّن هرب من أهل الربض إِلَى طليطلة الْفَقِيه يحيى بن يحيى ثمَّ أَمنه الحكم وَكَانَ مِنْهُم طالوت بن عبد الْجَبَّار الْمعَافِرِي أحد من لقى مَالك بن أنس استخفى عِنْد يَهُودِيّ أحسن خدمته ثمَّ انْتقل إِلَى الْوَزير الإسكندارني واثقًا بِهِ فسعى بِهِ إِلَى الحكم وَأمكنهُ مِنْهُ فَوَجَدَهُ أغْلظ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قرر عَلَيْهِ ذنُوبه قَالَ لَهُ إِنِّي أبغضتك لله وَحده فَلم ينفعك عِنْدِي مَا صَنعته معي وَأخْبرهُ مَا جرى لَهُ مَعَ الْيَهُودِيّ والوزير فرقق الله قلبه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِن الَّذِي أبغضتني من أَجله قد صرفني عَنْك وَنقص الاسكندراني فِي عين الحكم قَالَ وَلَقَد بلغ من استخفاف أهل الربض بالحكم أَنهم كَانُوا يُنَادُونَهُ لَيْلًا من أَعلَى صوامعهم الصَّلَاة الصَّلَاة يَا مخمور وَلم يتمل بالعيش بعد هَذِه الْوَقْعَة من عِلّة طاولته أَرْبَعَة أَعْوَام فَمَاتَ نَادِما مُسْتَغْفِرًا وَكَانَ مِمَّا نعوه عَلَيْهِ أَن جعل الْعشْر ضريبة على النَّاس بعد أَن كَانَ مصروفًا إِلَى أمانتهم
سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ
بَايع الحكم لابْنَيْهِ بالعهد عبد الرَّحْمَن ثمَّ الْمُغيرَة فانخلع الْمُغيرَة لِأَخِيهِ وَمَات مكرمًا فِي حَيَاته وَله عقب كثير وَالْحكم أول من عقد الْعَهْد مِنْهُم وفيهَا توفّي الحكم
1 / 43
حجب لَهُ عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد وَله تَرْجَمَة وَعبد الْعَزِيز ابي ابْن عَبدة بعده وَكَانَ زاهدًا كثير الصَّدَقَة صَاحب جيوشه وصوائفه ابْن عَمه عبيد الله بن عبد الله وَمن أشهر وزرائه فطيس بن سُلَيْمَان وَكتب عَنهُ أَيْضا وَكتب عَنهُ حجاج المغيلي وَهُوَ شَاعِر وقضاته مذكورون فِي تراجمهم وَفِي مدَّته مَاتَ شَهِيد بن عِيسَى الَّذِي ينْسب لَهُ بَنو شَهِيد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَتَمام بن عَلْقَمَة اُحْدُ اكابر النُّقَبَاء وَعبد الْوَاجِد بن مغيث وفطيس بن سُلَيْمَان وحجاج المغيلي فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة والفقيه زِيَاد ابْن عبد الرَّحْمَن اللَّخْمِيّ راوية مَالك سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة والفقيه الْمُفْتِي صعصعة بن سَلام سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس وَمن المجاهرين بِالْمَعَاصِي السفاحين للدماء لدينا الحكم صَاحب الربض وَقد كَانَ من جبروته يخصى من اشْتهر بالجمال من أَبنَاء رَعيته ليدخلهم إِلَى قصره وَأحسن مَا أوردوا لَهُ من الشّعْر قَوْله بعد وقْعَة الربض ... رأبت صدوع الأَرْض بِالسَّيْفِ راقعًا ... وقدمًا لأمت الشّعب مذ كنت يافعا
فسائل ثغوري هَل بهَا الْيَوْم ثغرة ... أبادرها مستنصى السَّيْف دارعا
وشافه على الأَرْض الفضاء جماجمًا ... كأقحاف شريان الهبيد لوامعا
تنبيك أَنِّي لم أكن فِي قراعهم ... بوان وَأَنِّي كنت بِالسَّيْفِ قارعا
وَأَنِّي إِذا حادوا سرَاعًا عَن الردى ... فَمَا كنت ذَا حيد عَن الْمَوْت جازعا ...
1 / 44
.. حميت ذماري فاستحبت دمارهم ... وَمن لَا يحامى ظلّ خزيان ضارعا
وَلما تساقينا نهال حروبنا ... سقيتهم سجلًا من الْمَوْت ناقعا
وَهل زِدْت أَن وفيتهم صَاع قرضهم ... فوافوا منايا قدرت ومصارعا ...
٢ - ابْنه أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن الحكم من المقتبس هُوَ بكر وَالِده مولده بطليطلة فِي شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة عمره اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة دولته إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَسِتَّة أشهر وَسِتَّة أَيَّام وَفَاته بقرطبة لَيْلَة الْخَمِيس لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ذكر ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس أَن وَلَده مائَة النّصْف ذُكُور عني أَبوهُ بتعليمه وتخريجه فِي الْعُلُوم الحديثة والقديمة وَوجه عَبَّاس بن نَاصح إِلَى الْعرَاق فِي التمَاس الْكتب الْقَدِيمَة فَأَتَاهُ بالسندهند وَغَيره مِنْهَا وَهُوَ أول من أدخلها الأندلس وَعرف أَهلهَا بهَا وَنظر هُوَ فِيهَا وَكَانَ حسن الْوَجْه بهي المنظر وَمن بديع التَّعَارُض فِي كَمَاله نقض وِلَادَته لِأَنَّهُ ولد لسبعة أشهر وَكَانَ من أهل التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ والاستضهار للْحَدِيث وَأَطْنَبَ فِي ذكره فِي الْعُلُوم وَأَنه كَانَ يداخل كل ذِي علم من فنه وَهُوَ أول من فخم السلطنة بالأندلس بِأُمُور يطول ذكرهَا من انتقاء الرِّجَال والمباني وَغير ذَلِك وَهُوَ الَّذِي بنى جَامع إشبيلية وسورها وتولع جواريه بِبِنَاء الْمَسَاجِد وَفعل الْخَيْر
1 / 45
وَهُوَ الَّذِي ميز ولَايَة السُّوق عَن أَحْكَام الشرطة الْمُسَمَّاة بِولَايَة الْمَدِينَة فأفردها وصير لواليها ثَلَاثِينَ دِينَارا فِي الشَّهْر ولوالي الْمَدِينَة مائَة دِينَار وَكَانَ يُقَال لأيامه أَيَّام الْعَرُوس واستفتح دولته بهدم فندق الْخمر وَإِظْهَار الْبر وتملى النَّاس مَعَه الْعَيْش وخلا هُوَ بلذاته وَطَالَ عمره وَفَشَا نَسْله
وَقَالَ الرَّازِيّ إِنَّه الَّذِي أحدث بقرطبة دَار السِّكَّة وَضرب الدَّرَاهِم باسمه وَلم يكن فِيهَا ذَلِك مذ فتحهَا الْعَرَب وَفِي أَيَّامه أَدخل للأندلس نَفِيس الجهاز من ضروب الجلائب لكَون ذَلِك نفق عَلَيْهِ وَأحسن لجالبيه وَوَافَقَ انتهاب الذَّخَائِر الَّتِي كَانَت فِي قُصُور بَغْدَاد عِنْد خلع الْأمين فجلبت إِلَيْهِ وانتهت جبايته إِلَى الف ألف دِينَار يَفِ السّنة وَهُوَ الَّذِي اتخذ للوزراء فِي قصره بَيت الوزارة ورتب اخْتلَافهمْ إِلَيْهِ فِي كل يَوْم يستدعيهم مَعَه أَو من يخْتَص مِنْهُم اَوْ يخاطبهم برقاع فِيمَا يرَاهُ من امورالدولة وَكَانَ سعيدًا قَالَ ابْن مفرج مَا علمنَا أَنه خرج عَلَيْهِ مَعَ طول أَيَّامه خَارج خلا مَا كَانَ من مُوسَى بن مُوسَى بن قسي بِنَاحِيَة الثغر الْأَعْلَى وَلم يشْغلهُ النَّعيم عَن وصل الْبعُوث إِلَى دَار الْمغرب
وَكَانَ مكرمًا لأصناف الْعلمَاء محسنًا لَهُم وَكَانَ يخلوا بكبير الْفُقَهَاء يحيى بن يحي كثيرا ويشاوره وسرق بعض صقالبته بدرة فلمحه وَلما عدت الْبَدْر نقصت فَأَكْثرُوا التَّنَازُع فِيمَن أَخذهَا فَقَالَ السُّلْطَان قد أَخذهَا من لَا يردهَا وَرَآهُ من لَا يقفحه فإياكم عَن العودة لمثلهَا فَإِن كَبِير الذَّنب يهجم على استنفاد الْعَفو فتعجب من إفراط كرمه وحيائه
وَمن توقيعاته البليغة وَمن لم يعرف وَجه مطلبه كَانَ الحرمان أولى بِهِ وَمن مَشْهُور شعره قَوْله فِي جَارِيَته طروب الَّتِي هام بهَا
1 / 46
.. إِذا مَا بَدَت لي شمس النها ... ر طالعة ذَكرتني طروبا
عداني عَنْك مَزَار العدى ... وقودى إِلَيْهِم لهامًا مهيبا
أُلَاقِي بوجهي سموم الهجير ... إِذا كَاد مِنْهُ الْحَصَى أَن يذوبا ...
وأجنب فِي بعض غَزَوَاته وَقد دنا من وَادي الْحِجَارَة فَقَامَ إِلَى الْغسْل وفكره مَوْقُوف على الخيال الَّذِي طرقه فاستدعى ابْن الشمر وَقَالَ لَهُ
أجز ... شاقك من قرطبة الساري ... بِاللَّيْلِ لم يدر بِهِ الدَّارِيّ ...
فَقَالَ بديهة ... زار فَحَيَّا فِي ظلام الدجى ... أَهلا بِهِ من زائر زائري ...
فهاج اشتياقه لصاحبة الخيال فاستخلف على الْجَيْش وَرجع إِلَى قرطبة وَكَانَ مُولَعا بِالنسَاء وَلَا يتَّخذ مِنْهُنَّ ثَيِّبًا أَلْبَتَّة وكملت لذته بقدوم زرياب غُلَام إِسْحَاق الْموصِلِي
وَفِي مدَّته فِي سنة سبع وَمِائَتَيْنِ
أظهر الْعِصْيَان عَم أَبِيه عبد الله وعسكر بمرسية وَصلى الْجُمُعَة على أَن يخرج يَوْم السبت وَقَالَ فِي خطبَته اللَّهُمَّ إِن كنت أَحَق بِهَذَا الْأَمر من عبد الرَّحْمَن حفيد أخي فانصرني عَلَيْهِ وَإِن كَانَ هُوَ أَحَق بِهِ مني وَأَنا صنو جده فانصره عَليّ فَأمنُوا على دُعَائِهِ وَلم يستتم كَلَامه حَتَّى ضَربته الرّيح الْبَارِدَة فَسقط مفلوجًا فكمل النَّاس صلَاتهم بِغَيْرِهِ وافترق
1 / 47
الْجمع وَصَارَ الى بلنسية فَمَاتَ بهَا فِي سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَأحسن عبد الرَّحْمَن الْخلف على وَلَده وَعَلِيهِ قدم بَنو عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن بن رستم صَاحب تيهرت وَأنْفق عَلَيْهِم ألف ألف دِينَار
وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة
ثارت فتْنَة تدمير بَين الْيمن وَمُضر ودامت سبع سِنِين وَكَانَ انبعاثها من ورق دالية جمعهَا مُضَرِي من جنان يمني بِغَيْر أمره فَقتله الْيَمَانِيّ وَكَانَ أَكْثَرهَا دائرًا على اليمانية
وَفِي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ
أَمر عبد الرَّحْمَن عَامله جَابر بن مَالك أَن يتَّخذ مرسية منزلا للولاية وتحرك بِنَفسِهِ الى حِصَار طليلطلة وماردة وَفتح حصونًا كَثِيرَة من جليقية وَوَصله كتاب صَاحب الْقُسْطَنْطِينِيَّة يذكر مَا كَانَ بَين السلفين فِي الْمشرق والأندلس فجاوبه بِكِتَاب فِيهِ إنحاء على الْمَأْمُون والمعتصم
وَفِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
هلك مَحْمُود بن عبد الْجَبَّار الْبَرْبَرِي البطل الْمَشْهُور المنتزى بماردة الَّذِي دَامَت محاربته مَعَ أَصْحَاب عبد الرَّحْمَن واشتهرت وقائعه كَانَ قد فر إِلَى أذفنش وَأَرَادَ أَن يرجع إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بحصن من جليفية فحاربه اذفنش فجمح بِهِ فرسه فِي الْحَرْب وصدم بشجرة بلوط قتلته وَبَقِي مجدلًا فِي الأَرْض حينا وفرسان النَّصَارَى قيام على ربوة يهابون الدنو إِلَيْهِ وَيَخَافُونَ أَنَّهَا حِيلَة مِنْهُ
1 / 48
وَفِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
عصى مُوسَى بن مُوسَى صَاحب تطيلة وَاسْتولى على الثغر الْأَعْلَى وَله وقائع مَشْهُورَة فِي الْعَدو وَالْإِسْلَام وغزاه عبد الرَّحْمَن غزوات متتابعة إِلَى أَن صَالحه
وَفِي سنة تسع وَعشْرين
ظَهرت مراكب الأردمانين الْمَجُوس بسواحل غرب الأندلس وَيَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع عشرَة خلت من محرم سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ حلت على اشبيلة وَهِي عَورَة فدخولها واستباحوها سَبْعَة أَيَّام إِلَى أَن جَاءَ نصر الْخصي وَهزمَ عَنْهَا النَّصَارَى المعروفين بالمجوس وعاث فِي مراكبهم وَفِي ذَلِك يَقُول عُثْمَان بن الْمثنى ... يَقُولُونَ ان الاردمانين أَقبلُوا ... فَقلت إِذا جَاءُوا بعثنَا لَهُم نصرا ...
وَبعد هَذَا بنى سور إشبيلية بِإِشَارَة عبد الْملك بن حبيب
وَفِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
جهز عبد الرَّحْمَن أسطولًا من ثَلَاثمِائَة مركب الى جزيرتي ميورقة ومتورقة لاضرار اهلهما بِمن يمر بهما من مراكب الْإِسْلَام ففتحوهما
وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
كَاد نصر الْخصي مَوْلَاهُ عبد الرَّحْمَن بِشَربَة فِيهَا سم نبه الامر عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ اشربها أَنْت فَشربهَا وَخرج فَأَشَارَ عَلَيْهِ طبيبه بلين الْمعز فَلم يُوجب حَتَّى هلك
1 / 49
وَفِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
ادّعى بالثغر الْأَعْلَى النُّبُوَّة معلم فَقتل وَهُوَ يَقُول على جذعه أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَكَانَ ينْهَى عَن قصّ الْأَظْفَار وَالشعر وَيَقُول لَا تَغْيِير لخلق الله
واحتجب عبد الرَّحْمَن قبل مَوته مُدَّة ثَلَاث سِنِين لعِلَّة أضعفت قواه
حجب لَهُ عبد الْكَرِيم حَاجِب وَالِده إِلَى أَن توفّي فولى بعده سُفْيَان بن عبد ربه ثمَّ عِيسَى بن شَهِيد وعزله بِعَبْد الرَّحْمَن بن رستم ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى وَفَاته وَقَالَ ابْن الْقُوطِيَّة لم يخْتَلف أحد من شُيُوخ الأندلس أَنه مَا خدم بني أُميَّة فِي الْحجاب أكْرم من عِيسَى بن شَهِيد وَمن كِتَابه مُحَمَّد بن سعيد الزجالي التاكرني وَسَيَأْتِي ذكر قصاته فِي تراجمهم على نسق وَفِي مدَّته مَاتَ عِيسَى بن دِينَار الطليطلي الَّذِي قيل إِنَّه أفقه من يحيى بن يحيى وَكَانَ لَهُ رحْلَة إِلَى الْمشرق وَصَحب ابْن الْقَاسِم ودارت عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَات يحيى بن يحيى فِي رَجَب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَذكر الحجاري أَن جواد بني أُميَّة بالأندلس عبد الرَّحْمَن وبخيلهم عبد الله وَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَذكر أَنه كتب يَوْمًا إِلَى نديمه ومنجمه عبد الله بن الشمر ... ماتراه فِي اصطباح ... وعقود الْقطر تنثر
ونسيم الرَّوْض يختا ... ل على مسك وَعَنْبَر
كلما حاول سبقًا ... فَهُوَ فِي الريحان يعثر ...
1 / 50
.. لَا تكن مهمالة واسبق ... فَمَا فِي البطء تعذر ...
فجاوبه بِمَا تَأَخّر فِيهِ عَن طبقته وَله فِي الْكَرم حكايات مِنْهَا أَن زرياب غناهُ يَوْمًا فأطربه فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار فاحتوشه جواريه وَولده فنثرها عَلَيْهِم وَكتب أحد السَّعَادَة إِلَيْهِ بِأَن زرياب لم يعظم فِي عَيْنَيْهِ ذَلِك المَال وَأَعْطَاهُ فِي سَاعَة وَاحِدَة فَوَقع نبهت على شئ كُنَّا نحتاج التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا رزقه نطق على لسَانك وَقد رَأينَا أَنه لم يفعل ذَلِك إِلَّا ليحببنا لأهل دَاره ويغمرهم بنعمنا وَقد شكرناه وأمرنا لَهُ بِمثل المَال الْمُتَقَدّم ليمسكه لنَفسِهِ فَإِن كَانَ عنْدك فِي حَقه مضرَّة أُخْرَى فارفعها إِلَيْنَا
وَرفع لَهُ أحد المستغلين بتثمير الْخراج أَن القنطرة الَّتِي بناها جده على نهر قرطبة لَو رسم على الدَّوَابّ والأحمال الَّتِى تعبر عَلَيْهَا رسم لَا جتمع من ذَلِك مَال عَظِيم فَوَقع نَحن أحْوج إِلَى أَن نُحدث من أَفعَال الْبر أَمْثَال هَذِه القنطرة لَا أَن نمحو مَا خلده آبَاؤُنَا باختراع هَذَا المكس الْقَبِيح فَتكون عائدته قَليلَة لنا وَتبقى تَبعته وَذكره السوء علينا وهلا كنت نبهتنا على إصْلَاح الْمَسْجِد المجاور لَك الَّذِي قد تداعى جِدَاره واختل سقفه وَفصل الْمَطَر مُسْتَقْبل لَكِن يَأْبَى الله أَن تكون هَذِه المكرمة فِي صحيفتك وَقد جعلنَا عُقُوبَتك بِأَن تصلح الْمَسْجِد الْمَذْكُور من مَالك على رغم أَنْفك فَيكون مَا تنْفق فِيهِ مِنْك وأجره لنا إِن شَاءَ الله
٣ - ابْنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد
كَانَ أَخُوهُ عبد اله بن طروب قد وشحه أَبوهُ للولاية بعده وَكَانَ نصر الخصى يعضده ويخدم أمه طروب الحظية عِنْد عبد الرَّحْمَن الْأَوْسَط إِلَّا
1 / 51
أَن عبد الله كَانَ مستهترًا منهمكًا فِي اللَّذَّات فَكَانَ أولو الْعقل يميلون إِلَى أَخِيه مُحَمَّد فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُمَا وَكَانَ ذَلِك بِاللَّيْلِ اتّفق رُءُوس الخدم أَن يعدلُوا بِالْولَايَةِ عَن عبد الله إِلَى مُحَمَّد فَمر أحدهم إِلَى منزله وَجَاء بِهِ على بغلة فِي زِيّ صبية كَأَنَّهُ بنته تزور قصر جدها فَلَمَّا مر على دَار أَخِيه عبد الله وَسمع ضجة المنادمين وَلَيْسَ عِنْده خبر من موت أَبِيه أنْشد ... فهنيئًا لَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ ... وَالَّذِي نَحن فِيهِ أَيْضا هنانا ...
وَلما دخل الْقصر بعد تمنع من البواب وَتمّ لَهُ الْأَمر تَلقاهُ بحزم وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد من جلة أَقَاربه
قَالَ صَاحب الجذوة كَانَ مُحَمَّد محبًا للعلوم مؤثرًا لأهل الحَدِيث عَارِفًا حسن السِّيرَة وَلما دخل الأندلس أَبُو عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد بِكِتَاب أبي بكر بن أبي شيبَة وَقُرِئَ عَلَيْهِ أنكر جمَاعَة من أهل الرَّأْي مَا فِيهِ من الْخلاف واستشنعوه وبسطوا الْعَامَّة عَلَيْهِ وَمنعُوا من قِرَاءَته إِلَى أَن اتَّصل ذَلِك بالأمير مُحَمَّد فاستحضروه وإياهم واستحضر الْكتاب كُله وَجعل يتصفحه جُزْءا جُزْءا إِلَى أَن أَتَى على آخِره وَقد ظنُّوا أَنه مواقفهم على الْإِنْكَار عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لخازن الْكتب هَذَا كتاب لَا تَسْتَغْنِي خزانتنا عَنهُ فَانْظُر فِي نسخه لنا ثمَّ قَالَ لبقي بن مخلد انشر علمك وارو مَا عنْدك من الحَدِيث واجلس للنَّاس حَتَّى ينتفعوا بك فنهاهم أَن يتَعَرَّضُوا لَهُ
وَكَانَ مُحَمَّد قد فوض أُمُور دولته لهاشم بن عبد الْعَزِيز أعظم وزرائه
1 / 52
واشتمل عَلَيْهِ اشتمالًا كثيرا وَكَانَ هَاشم تياهًا معجبًا حقودًا لجوجًا فأفسد الدولة وَكَانَ يقدمهُ على العساكر فَخرج مرّة إِلَى غرب الأندلس ليقمع مَا هُنَالك من الثَّوَاب فأساء السِّيرَة فِي الْحَرَكَة وَالنُّزُول والمعاملة مَعَ الْجند فأسلموه وَأخذ أَسِيرًا ثمَّ افتدى بأموال عَظِيمَة وأنهضه مرّة مَعَ ابْنه الْمُنْذر إِلَى ثغر سرقسطة فأساء الْأَدَب مَعَه حَتَّى أحقده وأتلف محبته لما صَارَت السلطنة إِلَيْهِ وثارت الثوار فِي الأندلس بِسَبَبِهِ وَمَا مَاتَ مُحَمَّد حَتَّى خرقت الهيبة وَزَالَ ستر الْحُرْمَة واستقبل ابْنه الْمُنْذر ثمَّ عبد الله نيران الْفِتْنَة فأصلتهما مُدَّة حياتهما إِلَى أَن خمدت بالناصر عبد الرَّحْمَن وَكَانَت وَفَاة السُّلْطَان مُحَمَّد فِي آخر صفر سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
٤ - ابْنه أَبُو الحكم الْمُنْذر بن مُحَمَّد
ولي بعد أَبِيه فَلم تكن لَهُ همة أعظم من خداع وَزِير أَبِيه هَاشم بن عبد الْعَزِيز الى ان وَثَبت عَلَيْهِ وسجنه وأثقله بالحديد وَذكره مَا أسلفه من ذنُوبه الموبقة ثمَّ أخرجه وأتى بِهِ إِلَى دَار عَظِيمَة كَانَ قد شيدها وَقصر عَلَيْهَا جَمِيع أمانيه وَضرب عُنُقه فِيهَا وفتك فِي أَوْلَاده ومخلفيه أَشد الفتك وشفى غيظه الكامن ثمَّ أَخذ فِي التَّجْهِيز إِلَى قتال عمر بن حفصون الثائر الشَّديد فِي الثوار وَكَانَ قِيَامه وامتنانعه فِي قلعة ببشتر بَين رندة ومالقة وَقد وقفت عَلَيْهَا وَهِي خراب وَكَانَت من أمنع قلاع الأندلس لَا ترام وَلَا يخْشَى من فِيهَا إِلَّا من الْأَجَل فحصره فِيهَا فَيُقَال ان أَخَاهُ
1 / 53
عبد الله الَّذِي ولى بعده وَكَانَ حَاضرا مَعَه دس إِلَى الفاصد مَالا على أَن يسم المبضع فَفعل ذَلِك فَمَاتَ الْمُنْذر وبادر فِي الْحِين عبد الله بِحمْلِهِ إِلَى قرطبة وحصلت لَهُ السلطنة وَكَانَ الْمُنْذر قد ترشح فِي مُدَّة أَبِيه لقود العساكر وَعظم أمره وَاشْتَدَّ صولته وَكَانَ شكس الْأَخْلَاق مر الْعقَاب وَلم تطل مدَّته
وَذكر صَاحب الجذوة أَنه كَانَ مولده فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فاتصلت ولَايَته سنتَيْن غير خَمْسَة عشر يَوْمًا وَمَات فِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحميدِي وَقد انقرض عقب الْمُنْذر
٥ - المستكفي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَبِيدِي الله ابْن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر
قَالَ ابْن حَيَّان بُويِعَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الناصري يَوْم قتل عبد الرَّحْمَن المستظهر يَوْم السبت لثلاث خلون من ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فتسمى بالمستكفي بِاللَّه اسْما ذكر لَهُ فاختاره لنَفسِهِ وَحكم بِهِ سوء الِاتِّفَاق عَلَيْهِ لمشاكلته لعبد الله المستكفي العباسي أول من تسمى بِهِ فِي أفنه ووهنه وتخلفه وَضَعفه بل كَانَ هَذَا زَائِدا عَلَيْهِ فِي ذَلِك مقصرا
1 / 54
عَن خلال ملوكية كَانَت فِي المستكفي سميه لم يحسنها مُحَمَّد هَذَا لفرط نخلفه على اشتباهما فِي سَائِر ذَلِك كُله من توثبهما فِي الْفِتْنَة واستظهارهما بالفسقة واعتداء كل وَاحِد مِنْهُمَا على ابْن عَمه وتولع كل وَاحِد مِنْهُمَا شَأْنه بِامْرَأَة خبيثة فَلذَلِك حسناء الشيرازية وَلِهَذَا بنت سكرى المورورية وكل وَاحِد مِنْهُمَا خلع وَتَركه أَبوهُ صَغِيرا قَالَ وَلم يكن من الْأَمر فِي ورد وَلَا صدر وَإِنَّمَا أرْسلهُ الله على الْأمة محنة بلغت بِهِ الْحَال قبل تملكه إِلَى أَن كَانَ يستجدي الفلاحين وَلم يجلس فِي الْإِمَارَة فِي تِلْكَ الْفِتْنَة أسقط مِنْهُ خنق ابْن عَمه ابْن الْعِرَاقِيّ وسجن ابْن حزم وَابْن عَمه أَبَا الْمُغيرَة واستؤصلت فِي مدَّته بالهدم قُصُور النَّاصِر وهرب بَين النِّسَاء لتخنيثه وَلم يتَمَيَّز مِنْهُنَّ
٦ - المعتد بِاللَّه أَبُو بكر هِشَام بن مُحَمَّد بن عبد الْملك ابْن النَّاصِر المرواني
من الجذوة أَن أهل قرطبة اتَّفقُوا بعد ذهَاب الدولة الحمودية بعد طول مُدَّة عَلَيْهِ وَكَانَ مُقيما بالبونت عِنْد صَاحبهَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم فَبَايعُوهُ فِي ربيع الأول سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ مترددًا فِي الثغور ثَلَاثَة أَعْوَام غير شَهْرَيْن إِلَى أَن سَار إِلَى قرطبة وَلم يبْق إِلَّا يَسِيرا حَتَّى خلع وانقطعت الدولة المروانية من يَوْمئِذٍ فِي سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة
1 / 55
وَمن = كتاب السلوك فِي حلى الْمُلُوك
٧ - أَبُو الحزم جهور بن مُحَمَّد بن جهور بن عبيد الله ابْن مُحَمَّد بن الْغمر بن يحيى بن عبد الغافر ابْن أبي عَبدة الْكَلْبِيّ مولى بني أُميَّة
كَانَ من وزراء الدولة العامرية قديم الرِّئَاسَة مَوْصُوفا بالدهاء والسياسة وَلم يُغير أمرا توجبه المملكة حَتَّى إِنَّه بَقِي يُؤذن على بَاب مَسْجده وَلم يتَحَوَّل عَن دَاره وَأحسن تَرْتِيب الْجند فتمشت دولته وَكَانَ حرما يلجأ إِلَيْهِ كل خَائِف ومخلوع عَن ملكه إِلَى أَن مَاتَ فِي صفر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة فولى بعده
٨ - ابْنه أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بن جهور
وَنَشَأ لَهُ ولدان تنافسا فِي الرِّئَاسَة واضطربت بهما الدولة وَجَاء الْمَأْمُون ابْن ذِي النُّون محاصرا لقرطبة من طليلطلة فاستغاثا بالمعتمد بن عباد فَوجه لَهُم ابْنه الظافر بعسكر فأقلع الْمَأْمُون عَنْهُم فغدرهم
1 / 56
الظافر وَأخذ قرطبة مِنْهُم وَحَملهمْ إِلَى شلطيش فسجنوا هُنَالك وَأقَام الظافر ملكا إِلَى أَن دخل عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ حريز بن عكاشة فَقتله وَصَارَت قرطبة لِلْمَأْمُونِ بن ذِي النُّون
ثمَّ وصل إِلَيْهَا الْمُعْتَمد بن عباد وَولى عَلَيْهَا ابْنه الْمَأْمُون بن الْمُعْتَمد فَأَقَامَ فِيهَا إِلَى أَن قَتله بخارجها الملثمون
وتوالى عَلَيْهَا وُلَاة الملثمين إِلَى أَن ثار فِيهَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حمدين قاضيها
ثمَّ صَارَت لعبد المومن فتوالت عَلَيْهَا وُلَاة دولته إِلَى أَن صَارَت للمتوكل ابْن هود ثمَّ تغلب عَلَيْهَا مُحَمَّد بن الْأَحْمَر المرواني الثائر بأرجونة إِلَى أَن توجه إِلَى إشبيلية فَعَادَت إِلَى ابْن هود فحصرها أذفنش النَّصْرَانِي ملك طليطلة فَأَخذهَا وَخرج مِنْهَا أَهلهَا وَالله يُعِيدهَا بمنه وَحَوله
1 / 57