وكان للإمام الفراهي منهج فريد في التفسير، اشتهر به في شبه القارة الهندية، وقد أفاض القول في بيان أصوله في مقدمة تفسيره (فاتحة نظام القرآن) وكتابيه دلائل النظام والتكميل في أصول التأويل، وأبانت عنه أجزاء التفسير التي صدرت في حياته. وأهمها أصلان يدل عليهما عنوان التفسير نفسه: الأول نظام القرآن، والآخر تأويل الفرقان بالفرقان.
أما تأويل الفرقان بالفرقان فهو أصل معروف مجمع عليه ولا يحتاج إلى بيان، غير أن منهج الفراهي يتميز بالتمسك الشديد بهذا الأصل والاستفادة منه على أنحاء لم يفطن لها كثير من المفسرين.
أما "النظام" فالمقصود به ما يسميه الكتاب المعاصرون بالوحدة الموضوعية، فكل سورة لها موضوع معين -يسميه الفراهي عمود السورة- تدور عليه بأجزائها المترابطة فيما بينها ترابطًا معنويًا محكمًا. ويختلف النظام عن التناسب الذي عني به جماعة من علمائنا القدامى، وعدّوه علمًا شريفًا، والفرق بينهما "أن التناسب جزء من النظام، فإن التناسب بين الآيات بعضها مع بعض لا يكشف عن كون الكلام شيئًا واحدًا مستقلًا بنفسه، وطالب التناسب ربما يقنع بمناسبة ما، فربما يغفل عن المناسبة التي ينتظم بها الكلام، فيصير شيئًا واحدًا. وربما يطلب المناسبة بين الآيات المتجاورة مع عدم اتصالها، فإن الآية التالية ربما تكون متصلة بالتي قبلها على بعد منها. فإن عدم الاتصال بين آيات متجاورة يوجد كثيرًا. ومنها ما ترى فيه اقتضابًا بينًا، وذلك إذا كانت الآية أو جملة من الآيات متصلة بالتي على بعد منها" (١).
ومراعاة النظام عند الفراهي ليس أمرًا مقصودًا لذاته، وإنما هو المنهاج الصحيح لتدبر القرآن، والنظام هو الحكم عند تضارب الأقوال، وهو المرجح عند تعدد الاحتمالات، وهو الإقليد الذي تفتح به كنوز حكمة القرآن.
_________
(١) دلائل النظام: ٨٧ - ٨٩.
1 / 28