. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما يُستَقبَحُ ويُذَمُّ عليه، وأصلُهُ غريزيٌّ في الفطرة، ومنه مكتسَبٌ للإنسان؛ كما قال بعضُ الحكماء في العقل:
رَأَيتُ العَقلَ عَقلَينِ ... فَمَطبُوعٌ وَمَصنُوعُ
وَلاَ يَنفَعُ مَصنُوعٌ ... إِذَا لَم يَكُ مَطبُوعُ
كَمَا لاَ تَنفَعُ العَينُ ... وَضَوءُ الشَّمسِ مَمنُوعُ (١)
وهذا المكتَسَبُ: هو الذي جعلَهُ الشرعُ من الإيمان، وهو الذي يُكلَّفُ به.
وأمَّا الغريزيُّ فلا يكلَّفُ به؛ إذ ليس ذلك مِن كسبنا، ولا في وُسعنا، ولم يكلِّفِ اللهُ نفسًا إلاَّ وسعها؛ غير أنَّ هذا الغريزيَّ يَحمِلُ على المكتسب، ويُعِينُ عليه؛ ولذلك قال ﵊: الحَيَاءُ لاَ يَأتِي إِلاَّ بِخَيرٍ، والحَيَاءُ خَيرٌ كُلُّهُ (٢). وأوَّلُ الحياءِ وأَولاَه: الحياءُ من الله تعالى، وهو ألاَّ يراك حيثُ نهاك، وذلك لا يكونُ إلاَّ عن معرفةٍ بالله تعالى كاملة، ومراقبةٍ له حاصلَة، وهي المعبَّرُ عنها بقوله: أَن تَعبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِن لَم تَكُن تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ (٣).
وقد رَوَى الترمذيُّ مِن حديث ابن مسعود أَنَّهُ ﵊ قال: استَحيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّا نَستَحيِي وَالحَمدُ للهِ، فَقَالَ: لَيسَ ذَلِكَ، ولكنَّ الاستِحياءَ من الله حقَّ الحَيَاءِ: أَن تَحفَظَ الرَّأسَ وَمَا حَوَى، وَالبطنَ وما وَعَى، وَتَذكُرَ المَوتَ وَالبِلَى، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَحيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ (٤).