فَفَعَلَ، قَالَ: فَجَاءَ ذُو البُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمرِ بِتَمرِهِ، قَالَ: وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ، قُلتُ: وَمَا كَانُوا يَصنَعُونَ بِالنَّوَاةِ؟ قَالَ: يَمُصُّونَهُ وَيَشرَبُونَ عَلَيهِ المَاءَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيهَا، حَتَّى مَلأ القَومُ أَزوِدَتَهُم، قَالَ: فَقَالَ عِندَ ذَلِكَ: أَشهَدُ أَن لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لاَ يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبدٌ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلا دَخَلَ الجَنَّةَ.
ــ
و(قوله: وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ) كذا الرواية، ووجهُهُ: وذو النَّوَى بنواه، كما قال: وذُو البُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمرِ بِتَمرِهِ.
و(قوله: حَتَّى مَلأ القَومُ أَزوِدَتَهُم) هكذا الرواية، وصوابُهُ: مَزَاوِدَهُم؛ فإنّها هي التي تُملَأُ بالأَزوِدة، وهي جمعُ زاد، فسمَّى المزاودَ أزودةً باسمها؛ لأنَّها تُجعَلُ فيها على عادتهم في تَسمِيَتِهِمُ الشيءَ باسمِ الشيء إذا جاوره، أو كان منه بسبب، وقد عبَّر عنها في الرواية الأخرى بالأَوعِيَةِ.
و(قوله: حَتَّى هَمَّ بِنَحرِ بَعضِ حَمَائِلِهِم) يعني: النبيَّ ﷺ، كان هذا الهمُّ من النبي ﷺ بحكم النظر المَصلَحيِّ لا بالوحي؛ أَلاَ تَرَى كيف عرَضَ عمرُ بن الخطَّاب عليه مصلحةً أخرى، ظهر للنبيِّ ﷺ (١) رجحانُهَا؛ فوافقَهُ عليها وعمل بها.
ففيه: دليلٌ على العمل بالصالح، وعلى سماعِ رأي أهلِ العَقل والتجارب، وعلى أنَّ الأزواد والمياه إذا نَفِدَت أو قلَّت، جمَعَ الإمامُ ما بقي منها، وقَوَّتَهُم به شرعًا سواءً؛ وهذا كنحو ما مدَحَ به النبيُّ ﷺ الأشعريِّين، فقال: الأَشعَرِيُّونَ إذا قَلَّ زَادُهُم، جَمَعُوهُ، فَاقتَسَمُوهُ بَينَهُم بِالسَّوِيَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم (٢)، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
و(قوله: لاَ يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبدٌ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، فَيُحجَبَ عَنِ الجَنَّةِ) يعني: كلمتَيِ التوحيدِ المتقدِّمَتَينِ. ويُحجَبُ: يُمنَع، ورويناه بفتح الباء ورفعها، فالنصبُ