فَجَاءَ رَجُلٌ مِن أهل البَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزعُمُ أَنَّ اللهَ أَرسَلَكَ. قَالَ: صَدَقَ. قَالَ: فَمَن خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: فَمَن خَلَقَ الأَرضَ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: فَمَن نَصَبَ هَذِهِ الجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: اللهُ. قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الأَرضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الجِبَالَ، آللهُ أَرسَلَكَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَينَا خَمسَ صَلَوَاتٍ فِي يَومِنَا وَلَيلَتِنَا. قَالَ: صَدَقَ. قَالَ: فَبِالَّذِي أَرسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَينَا زَكَاةً فِي أَموَالِنَا؟
ــ
و(قوله: فَجَاءَ رَجُلٌ) هذا الرجلُ هو ضِمَامُ بن ثَعلَبَةَ أخو بني سعد بن بكر، قَدِمَ على رسول الله ﷺ سنَةَ تِسع؛ قاله أبو عُبَيدَ، وقيل: سنةَ سَبع، وقال محمَّد بن حَبِيب: سنةَ خَمس، وهو أبعدها؛ لأنَّ فرض الحَجِّ لم يكن نزل إذ ذاك، والله أعلم، وسيأتي ذلك في الحجِّ إن شاء الله تعالى.
وقد خرَّج البخاريُّ هذا الحديثَ، وقال فيه: عن أنس ﵁: بَينَمَا نَحنُ جُلُوسٌ فِي المَسجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أيُّكم محمَّدٌ بن عبد الله؟ وَالنَّبيُّ ﷺ بين ظَهرانيهم، فقُلنا: هذا الرجل الأبيضُ المُتَّكِئُ، فقَالَ الرَّجُلُ: ابنَ عبدِ المُطَّلب؟ فقال لَهُ النَّبيُّ ﷺ: قَد أَجَبتُكَ، فقالَ الرَّجُلُ: إنِّي سَائِلُك فمُشَدِّدٌ عَلَيك في المَسأَلةِ، فلا تجِد عليَّ في نفسِكَ، فقَالَ: سَل عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَال: أَسأَلُكَ بربِّكَ ورَبِّ مَن قَبلَكَ، آللهُ أرسَلَكَ إلَى النّاس كُلِّهِم؟ فقال: اللَّهُمَّ نعم. وذكر نحو حديثِ مسلم.
وقد فَهِمَ البخاريُّ مِن هذا الحديثِ: أنَّ هذا الرجُلَ قد كان أسلَمَ على يدَي رسول رسولِ الله ﷺ حين جاءهم، وصَحَّ إيمانه، وحَفِظَ شرائعه، ثُمَّ جاء يَعرِضها على النبيّ ﷺ؛ أَلاَ تَرَى البخاريّ كيف بوَّب على هذا بابُ: القِرَاءَةِ وَالعَرضِ على المحدِّث؟ وكأنَّ البخاريَّ أخذ هذا المعنى من قولِ الرجل في آخر الحديث: آمَنتُ