101

فقلت: «إنكم تهتمون الآن بمسألة شكلية، بينما أنظر لمصلحة بلادي وأثر قطع المفاوضات مع إنجلترا في الطبقات الكثيرة من أهلها، وبينهم صاحب الغرض، وبينهم المشاغب، وبينهم طوائف كثيرة من الأشخاص يتمنون قطع المفاوضات، وما دمتما تتمنيان اطراد التفاهم بين بلدينا وجب أن تعملا معي على تسهيل هذا التفاهم، بعدم إعطاء حجة جديدة لمن يرمونكم بسوء النية نحو مصر.»

وهنا جرى حديث طويل ظهر لي من ثناياه حرص المفاوضين البريطانيين على انتظار تعليمات، وتخوفهما من خروجهما على ما قد يكون للندن من رأي مخالف فيما إذا قبلا ما جرى، كأنه لم يترتب عليه قطع المفاوضة.

وانتهى الحال بعد المناقشة إلى قبول هذا البيان الذي عرضته عليهما، وتناقشنا أيضا فيه طويلا، وانتهينا منه إلى الصيغة الآتية:

إن مجلس الوزراء ورئيس الوفد المصري للمفاوضات قد سلم إلى لورد ستانسجيت وسير رونالد كامبل القرار، الذي اتخذه الوفد المذكور في العشرين من شهر أغسطس سنة 1946، وهذا نصه: «إن هيئة المفاوضات المصرية لا ترى في البيانات والصيغ، التي جاءتها من الجانب البريطاني ما يحملها على تعديل موقفها، وهي بناء على ذلك تتمسك بمذكرتها المقدمة في أول أغسطس، وما صاحبها من النصوص.

وقد دارت محادثة ذات طابع عام بين المفاوضين الثلاثة، انتهوا بها إلى اعتبار أن الباب ما يزال مفتوحا لتبادل جديد في الآراء؛ بقصد الوصول إلى نتيجة ملائمة لمصالح البلدين.»

وقد انتهت المقابلة حيث كانت الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والأربعين بعد الظهر.

أطماع الإنجليز في السودان

تحدثت في الفصل الماضي عن بعض ما جرى بيني وبين اللورد ستانسجيت والسفير البريطاني من حديث حول مسألة السودان، وقد بدا من الإنجليز أنهم يقفون فيها موقف المعارضة الشديدة لسيادة مصر على هذه البلاد، وأود هنا أن أتحدث عن النظرية الإنجليزية في السودان، وكيف رددنا عليها.

إن نقطة الابتداء في النظرية الإنجليزية هي أنه لما أصبح المهدي في سنة 1884 مسيطرا على أراضي السودان، واضطرت الجيوش المصرية إلى مغادرته، انتقلت حقوق السيادة التي كانت لمصر إلى المهدي ... وهناك رواية أخرى لهذه النظرية، وهي أنه لما كان المهدي ثائرا، ولم يعترف به؛ فإنه لم يرث حقوق الخديوي، ولكن كان من نتيجة مغادرة السلطات العسكرية والمدنية المصرية لتلك البلاد، أن أصبح السودان «مالا لا مالك له.»

ويقول الإنجليز: إن غزو السودان أو إعادة غزوه لم يكن ممكنا إلا بفضل بريطانيا العظمى، ويلاحظون ما يأتي: (1)

ناپیژندل شوی مخ