د ماشومې د خاطرونو کتاب چې نوم یې سعاد دی
مذكرات طفلة اسمها سعاد
ژانرونه
أول ما تفتح عينيها في الصباح تنظر في يدها فلا تجد شيئا، فتقفز من السرير باحثة عن صندوق المكعبات، لكن صوت الجرس يصلصل في الشارع خارج الشرفة، فتجري نحو الصوت لتعرف من أين يأتي، الشرفة سورها عال، أعلى من رأسها، والسور له أعمدة حديدية، تدس رأسها بين العمودين لتطل خارج السور، لكن يد أمها تشدها من الخلف وهي تصرخ: رأسك أثقل من جسمك، وقد تسقطين في الشارع. لكنها تريد أن ترى من أين يأتي ذلك الجرس الذي يصلصل، وهي لا تخاف السقوط في الشارع، ورأسها ليس أثقل من جسمها لأنها تدرك أن جسمها هو الذي يحمل رأسها وليس رأسها هو الذي يحمل جسمها، وما إن تختفي أمها داخل المطبخ حتى تجري إلى الشرفة وتدخل رأسها بين العمودين، أو تشب على أطراف أصابعها فتعلو رأسها على حافة السور وتستطيع أن ترى الشارع.
الشارع يبدو تحت عينيها واسعا بغير بداية ولا نهاية، والناس السائرون كثيرون بغير عدد كالنجوم، وعواميد النور طويلة ولا أول لها ولا آخر، والسيارات تجري بأقصى سرعة، والترام بعرباته كعربات القطار يسير فوق القضبان ويصلصل بذلك الجرس الذي يهز أذنيها وجسدها بنشوة عجيبة، وأصوات الشارع كلها تبعث في نفسها نشوة، أبواق السيارات بنغماتها المتعددة، أصوات الباعة وهم ينادون، دبيب أحذية الناس فوق الأسفلت، عجلات الترام وهي تصطك بالقضبان، ضحكات الأطفال وصراخهم وهم يجرون ويلعبون.
تدس رأسها بين العمودين وتود لو قفزت إلى الشارع ولعبت معهم، لكن يد أمها تشدها من الخلف وهي تصرخ: ستسقطين في الشارع وتموتين، لكن فكرة الموت لم تكن دخلت عقلها بعد، وعقلها لا زال منطلقا بغير قيود، وبغير خوف، تريد أن تتحرك وتعرف كل شيء، وجسدها أيضا يريد أن يكسر قيود البيت الضيق ويقفز من فوق الشرفة ليتحرك ويجري ويلعب في الشارع الواسع اللانهائي.
أحيانا كان يأخذها أبوها معه إلى الشارع، فتقفز من اللذة وهي تسير إلى جواره، تحرك ذراعيها وساقيها وتكاد تجري، لكن اليد الكبيرة تقبض على يدها، تحاول أن تشد يدها من يد أبيها لكنها لا تستطيع، الأصابع طويلة وقوية، تلتف حولها كالقبضة الحديدية، تكاد تخنقها، وتحاول أن تخلص نفسها دون جدوى، لكن ما أن ترتخي الأصابع قليلا حتى تشد يدها وتجري منطلقة في الشارع، فيجري أبوها وراءها ويمسكها مرة أخرى وهو يصرخ: ألا تخافين من هذه السيارة التي قد تدوسك؟!
لكنها كانت لا تزال لا تخاف شيئا، لا تخاف الشارع، ولا تخاف السيارات، ولا تخاف الناس، عقلها يتوثب بغير قيود ليعرف ويستكشف، وجسدها يتحرك بحرية، ذراعاها وساقاها وهي تمشي كأنها تطير، كعصفور طليق في الجو، حركتها كحركة الهواء تنسجم مع الكون، فإذا بها والكون شيء واحد، والحركة تصل إلى عقلها وجسدها في وقت واحد، تهز عقلها بلذة التفتح للحياة، وتهز جسدها بلذة الطيران مع حركة الكون.
لكن يد أبيها سرعان ما تمسكها، ويدها الصغيرة تقع في قبضة تلك الأصابع الحديدية، القادرة على تجميد حركة جسدها وعقلها، تقاومها لحظة، وتستسلم لها لحظة، واستسلامها لها ليس كاملا لأنها ما أن تشعر بها تتراخى وتلين حتى تندفع من بينها كالصاروخ الصغير.
حين يشتري لها أبوها قطارا أو سيارة تجلس على الأرض وتحركها، تدهشها الحركة ولا تعرف من أين تأتي، من بطن السيارة أم من مقدمتها أم من مؤخرتها! وتبحث بأصابعها عن سرها، وتعثر يدها على المسامير فتفككها واحدا وراء الآخر وراء الآخر، وفي كل لحظة تتصور أنها ستصل إلى السر، لكن المسامير تنتهي والسيارة تتحول إلى قطع صغيرة من الصفيح ليس داخلها شيء، وتفعل بالقطار ما فعلته بالسيارة، ثم تبحث عن لعب أختها الصغيرة وأخيها الأصغر، ولم يكن لأختها إلا عروسة كبيرة ترتدي ملابس على شكل كرانيش، طبقة فوق طبقة فوق طبقة، تخلعها واحدة وراء الأخرى وراء الأخرى حتى تصل إلى جسد العروسة العاري، فتخلع عنها ذراعيها وساقيها ورأسها وعنقها، وتدس أصبعها في فتحة العنق لتعرف ما بداخلها، فلا تجد إلا الهواء.
وتبكي أختها حين ترى أشلاء عروستها الممزقة، فتربت عليها، وتكف أختها عن البكاء وتلعب معها، وينضم إليهما أخوهما الأصغر، لكن أخوها ليس مثلها وبين فخذيه ذلك الشيء الصغير، والذي تسميه أمها «العصفورة»، وتحاول أن تعرف التشابه بينها وبين العصفورة التي تطير في الجو، لكنها لا تجد بينهما أي تشابه، فالعصفورة لها أجنحة ترفرف في الجو وهذه ليست لها أجنحة، وكانت ترى أن الطائرة في السماء لها أجنحة مثل الطيور، لكن القطار يجري فوق العجل، تدفع القطار بيدها فيجري فوق القضبان وتضحك من شدة اللذة. •••
إلا أن لذتها كانت تشتد أكثر حين تجد نفسها داخل قطار حقيقي، والقطار يتحرك وحده ويندفع فوق القضبان بتلك السرعة العجيبة، والصفارة والدخان الكثيف ينطلق في الجو، والأعمدة الطويلة تتراجع إلى الوراء بسرعة جنونية، وعيناها مشدودتان إلى الحركة، تتابعها بالسرعة نفسها، تكاد تلهث مع القطار بتلك الحركة العنيفة التي تهز جسدها وعقلها بلذة عجيبة.
تظل اللذة في عقلها وجسدها حتى تصل إلى بيت جدتها ذي الباب الخشبي الكبير، تفرح بذلك البيت الذي يشبه الشارع، فسيح كالشارع، وأرضه تراب ترشها جدتها بالماء وتفرش فوقها الحصيرة الكبيرة، ترقد فوقها هي وأولاد عمتها خديجة، ويتدحرجون ويتمرغون ويضحكون، تترك الحصيرة وتتمرغ فوق الأرض، وجهها وشعرها يغرق في التراب، تملأ كفها بالتراب وتضعها في فمها، تمضغه بلذة وتبتلعه.
ناپیژندل شوی مخ