د ماشومې د خاطرونو کتاب چې نوم یې سعاد دی
مذكرات طفلة اسمها سعاد
ژانرونه
إلا أن أهم ما كان يشغلها في ذلك الوقت هو أن النهار يصبح طويلا في شهر رمضان، والحر يزداد، والعطش يزداد، وتحس لسانها جافا داخل فمها، وشفتيها ملتهبتين بعد أن تجري وتلعب في الشمس، وسمعت من أبيها أن الغرغرة أو مضمضة الفم بقليل من الماء لا تفسد الصيام، بشرط ألا يبتلع الإنسان شيئا من الماء، وأصبحت حين يشتد جفاف لسانها وفمها تقف أمام الحوض وتملأ فمها بالماء، ثم تبصقه وتكرر ذلك عدة مرات، وفي كل مرة تبتلع قليلا من الماء مع الهواء الذي تتنفسه، وتتظاهر أنها نسيت أنها صائمة أو أن عضلات حلقها انقبضت رغم إرادتها، وتبصق بقية الماء وهي تردد: أستغفر الله.
وفي يوم من الأيام، وقبل أن يضرب مدفع الإفطار، رأت أمها في المطبخ، ولمحتها وهي تقذف داخل فمها شيئا وتبتلعه، وأدركت أن أمها تخدع الله كما تخدعه هي، وشعرت بنوع من الراحة، ولم تكشف سر أمها لأحد، لكن أمها ضربتها تلك الليلة؛ لأنها لم تسمع كلامها ولم تغسل قدميها قبل النوم، ونامت وقد قررت أن تكشف سرها لأبيها في الغد، لكن أباها قال لها: إن أمها تفطر بضعة أيام في الشهر بسبب مرض معين، وذعرت سعاد وتصورت أن أمها مريضة وسوف تموت؛ لكن أباها طمأنها وقال: إن هذا المرض يصيب كل النساء وكل البنات بعد سن معينة، وتساءلت: هل جدتها وعمتها وخالتها أيضا يصيبهن هذا المرض؟ وقال أبوها: بالطبع، ثم سألت: وهل أنا أيضا؟ وقال أبوها: إنها لا تزال صغيرة، ولكن بعد بضعة سنوات سيصيبها المرض كل شهر مثل جميع النساء، وأصابها فزع شديد وسألت: وهل الرجال يصابون؟ وهل أخوها سيصاب حين يكبر؟ وأكد لها أبوها أنه لن يصاب حين يكبر لأنه ولد وليس بنتا.
وحزنت سعاد وحسدت أخاها؛ لأنه خلق ولدا وليس بنتا، وشعرت أن الله يحبه أكثر منها؛ لأنه لا يصيبه بهذا المرض حين يكبر، ولم تكن تعرف بعد ما هذا المرض، لكنها ظنت أنه ليس مرضا بسيطا مثل البرد الذي يصيبها أحيانا، وإنما مرض آخر غامض، وهذا الغموض يشعرها بأنه سر خطير، وظل عقلها قلقا يبحث عن السر إلى أن عرفته من زميلتها سميرة، وبدأت تلاحظ بقع الدم أحيانا على ملابس أمها من الخلف، لكنها ظلت لا تفهم ما سر ذلك المرض الذي يجعل أمها تنزف الدم ولا تصوم ولا تصلي. •••
وعلمها أبوها الوضوء والصلاة، فأصبحت تتوضأ خمس مرات في اليوم وتصلي خمس مرات، الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وحفظت عدد الركعات في كل صلاة، ومجموع الركعات في اليوم سبع عشرة ركعة، وأثناء الوضوء تغسل وجهها ثلاث مرات، وأذنيها ثلاث مرات، وتمسح رأسها بيدها ثلاث مرات، وتمضمض فمها ثلاث مرات، وتغسل ذراعيها وساقيها وقدميها ثلاث مرات، على أن تردد وهي تغسل كل عضو عبارة: أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، ثلاث مرات.
وتدربت سعاد على الصلاة، فهي تبدأها بعبارة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تقرأ الفاتحة وإحدى الآيات القرآنية التي حفظتها مثل «قل أعوذ برب الناس» أو «قل هو الله أحد»، وتنحني بظهرها إلى الأمام دون أن تثني ركبتيها، ثم ترفع ظهرها وترفع ذراعيها إلى أعلى لتصبح يداها في مستوى رأسها وتقول: الله أكبر، ثم تنحني وتثني ركبتيها وتركع حتى تلامس جبهتها الأرض وهي تقول: سمع الله لمن حمده، وترفع رأسها من فوق الأرض لكنها تظل في وضع السجود وتقرأ إحدى الآيات، ثم تنهض وتكرر هذه الركعات حسب كل صلاة، وقبل أن تنهي الصلاة وهي ساجدة تلتفت ناحية اليمين وتقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم تلتفت ناحية اليسار وتقول: السلام عليكم ورحمة الله.
لم تكن تفهم بعد معنى الكلمات التي ترددها، لكنها حفظتها عن ظهر قلب، وعرفت من أبيها أنها حين تصلي تصبح واقفة بين يدي الله، وعليها أن تكون خاشعة خافضة رأسها واضعة يديها فوق صدرها، وعليها أن تطرد الشيطان من رأسها حتى لا يوسوس لها بأي شيء أثناء الصلاة، فالشيطان يلازم الإنسان كظله ولا بد من طرده أثناء الوقوف بين يدي الله، ولا يصح للإنسان أن يجمع بين الشيطان والله في وقت واحد؛ لأن صوت الشيطان قد يصرف ذهن الإنسان عن صوت الله، وأثناء الصلاة لا بد من أن يفرغ الإنسان ذهنه بأكمله لله سبحانه وتعالى، ليسمع صوته، ويحس وجوده، ووجود الملائكة من حوله، وعلى الأخص هذين الملاكين اللذين يقفان عن يمينها وعن يسارها ليحفظانها أثناء الصلاة من الشيطان وغيره من الأرواح الشريرة، وعليها أن تودعهما في ختام الصلاة وتلتفت إلى كل منهما وتقول له: السلام عليكم ورحمة الله.
استمعت سعاد إلى أبيها وهو يتحدث عن الله، وصوت أبيها حين يتحدث عن الله يصبح منخفضا مهيبا له رهبة، تملأ قلبها بإحساس غامض من الخوف، وحين تبدأ الصلاة وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لا تعرف إذا ما كان الشيطان قد طرد أم لا، فترددها عدة مرات لتطمئن أنها طردته ولم يبق له أثر، وتسري فوق جسدها قشعريرة حين يصور لها عقلها أن الله أصبح واقفا أمامها، وأن صوته يمكن أن يصل إليها، ويخيل إليها وهي تسجد أن صوتا ما يهمس لها، وترتجف من الخوف، فهي لا تعرف هل هو صوت الله أم أن الشيطان لا زال ملازما لها كظلها.
وظلت متحيرة لا تعرف كيف تفرق بين صوت الله وصوت الشيطان، وسألت أباها يوما، فقال لها أبوها أن صوت الله يأمرها بالطاعة وصوت الشيطان يأمرها بعدم الطاعة، وأن الذي يطيع أباه وأمه يذهب إلى الجنة، والذي يطيع الشيطان يحرق في نار جهنم، وأن الله يراقب الإنسان ويراه في كل لحظة من النهار والليل، ولا يمكن للإنسان أن يكذب على الله لأن الله يعرف كل شيء ولا يمكن لأحد أن يخفي عنه شيئا.
ويزداد فزعها بعد هذه الفكرة؛ لأنها تعرف أنها تخفي عن الله أشياء كثيرة، وكانت تظن أن الله لا يراها ولا أحد يراها، أما الآن فهي لا تعرف ماذا تفعل، بل لا تعرف ما الذي سيفعله بها الله بسبب ما مضى، وبسبب ما اقترفته من ذنوب كثيرة، وهي لم تفعل هذه الذنوب إلا أنها كانت تظن أنه حين تكون وحدها تكون وحدها، وأن أحدا لا يراها حين تكون في حجرتها المغلقة، أو حين تصعد إلى الفصل وتفتح حقيبة «محمد» لتأكل الكعكة قبل أن يدخل أحد، أو حين تخفي يدها باللب دون أن يراها البائع، أو حين تختفي تحت السرير مع أختها وأخيها ويلعبون، أو حين تبتلع بعض الماء قبل أن يضرب المدفع في شهر رمضان.
لكنها أصبحت الآن تدرك أنها لا تكون وحدها أبدا، وأن الله يراها في كل لحظة، وقد رآها في كل مرة أكلت فيها كعكة محمد، ورآها في كل مرة ملأت يدها باللب، ورآها في كل مرة تحت السرير، ورآها في كل مرة ابتلعت فيها الماء قبل المدفع.
ناپیژندل شوی مخ