جلست إلى جواره على صخرة كبيرة من صخور الهرم، وامتدت نظراتي إلى الأفق البعيد، وأخذت أراقب قرص الشمس الأحمر وهو يتسلل من وراء السحب الرمادية الكثيفة، وسمعته يقول: فيم تفكرين يا دكتورة؟ - لماذا تناديني يا دكتورة دائما؟ - ألا تحبين هذا اللقب؟ - إنه يذكرني بالأنين والمرض. - إنه لقب ساحر، أحس وأنا أناديك به بالفخر. أنت أول طبيبة أعرفها. - حقا؟! - حين طلبتك في التليفون لتنقذي أمي لم أتصور أن صوتك صوت الطبيبة، وحين رأيتك تدخلين حجرة أمي لم أصدق أنك الدكتورة. - لماذا؟ - كنت أتصور أن الطبيبة لا بد أن تكون قبيحة أو عجوزا، ترتدي على عينيها نظارة بيضاء سميكة، وظهرها محني من كثرة القراءة والإجهاد. لم أتصور أن الطبيبة يمكن أن تكون امرأة جميلة. - لماذا؟ - من الصعب أن تجمع المرأة بين العقل والجمال. - لماذا؟ - لا أدري. - لأنهم يربون البنت الصغيرة منذ طفولتها على أنها جسم فقط، فتنشغل به طول حياتها، ولا تعرف أن لها عقلا أيضا يجب أن تنميه. - لماذا يفعلون ذلك؟ - لأن الرجل الذي يمسك بمقاليد الحياة لا يريد من المرأة إلا أن تكون حيوانا غبيا جميلا يرقد بين قدميه. - لماذا؟ - الرجل لا يريد أن تكون المرأة ندا أو شريكا له، ولكنه يريدها تابعا له أو خادما. وضحك وضحكت.
ورأيته يقترب مني ويقول: أنا لست هذا الرجل، أنا أريد من المرأة أن تكون شريكتي وليست خادمتي. إني فخور بعقلك، لا يمكن لك أن تتصوري مبلغ سعادتي حين أدخل عيادتك وأشهد بعيني ذلك العدد الكبير من النساء والرجال الذين ينتظرون أن تمنحيهم الصحة والشفاء، ويتلهفون على رأيك وخبرتك. هل يمكن لامرأة لها مثل عقلك أن تحبس في البيت لتطبخ؟
هل يمكن لامرأة لها مثل علمك وذكائك أن تنفق حياتها في إرضاع الأطفال مثل النساء الجاهلات، بل مثل القطط والكلاب؟ لا، مستحيل. إن هذا ظلم لك وللإنسانية جمعاء.
نفذت كلماته إلى أعماقي الثائرة فهدأتها، ودخلت إلى قلبي الحائر فطمأنته، وأحسست أن الصراع الذي كان بيني وبين الرجل يذوب حتى آخر قطرة فيه.
وأسندت رأسي المرهق إلى صخور الهرم في راحة واسترخاء. لماذا لم تقل أمي هذا الكلام؟ لماذا لم يعترف المجتمع بهذا المعنى؟
ها هو رجل يعترف به، ها هو رجل يعترف بعقل المرأة، ها هو رجل يقول إن المرأة كالرجل لها جسم ولها عقل، ها هو رجل يقول الكلام الذي تقوله أعماقي منذ فتحت عيني على الحياة!
ونظرت إليه، أحاول أن أرى من أين تخرج هذه الكلمات الناضجة العادلة؛ من أعماقه أم من حنجرته؟ ولم أستطع أن أرى شيئا؛ المسافة بين أعماقه وحنجرته لم تكن موجودة، لعلي لم أر له أعماقا، أو لعل قرص الشمس قد سقط في تلك الهاوية السحيقة التي يسقط فيها كل ليلة، فأخفت الظلال معالم الأشياء.
وأحسست بيديه الباردتين، فنظرت في وجهه؛ ابتسامته الهادئة المستسلمة تثير أمومتي، لكن نظراته الضعيفة المستجدية تخمد أنوثتي. لماذا؟ هل لأنه ضعيف، أضعف مني؟ أم لأنه لم يعرف الألم مثلما عرفت؟ أم لأن عينيه تفتقدان تلك القوة العميقة الخفية التي أريدها في الرجل؟ أم أنه لا تزال تجري في دمائي أنوثة امرأة الغاب الفجة التي تعشق الرجل الذي ينتصر عليها؟! ولكنه يرضي شيئا في؛ لعل ضعفه يؤكد لي قوتي، لعل نظرة الاحتياج في عينيه ترضي عقلي الذي يصر على التفوق.
قال لي وهو يبتسم: ماما كانت لها نفس هذه النظرة القوية، ولكن عينيها كانتا خضراوين.
خرجت كلمة ماما من تحت شاربه الكث شاذة منفرة جعلت ملامحه تبدو كملامح طفل صغير على شفته العليا حشرة سوداء ميتة.
ناپیژندل شوی مخ