عرفت لماذا أعرق خجلا، ولماذا تبرد أطرافي خوفا.
القلب كالبيت؛ له حجرات، الحجرات لها جدران اسمها عضلات، ولها أبواب اسمها صمامات.
جدران الحجرة تنقبض فينفتح بابها ويطرد الدم خارجها، ثم تنبسط العضلات فتسحب الدم داخلها وينغلق الصمام. إن دقات القلب هي ذلك الحفيف الذي يحدثه الدم في دخوله وخروجه من حجرة إلى حجرة، وهي تلك الأصوات التي تحدثها الأبواب وهي تفتح وتغلق.
ولكن ما الذي يجعل عضلات القلب تفهم متى يجب أن تنقبض، ومتى يجب أن تنبسط؟ رسالة! برقية يحملها إليها عصب من الأعصاب، يتصل بمركز في الصدر يقود إلى مركز من مراكز المخ.
وكيف يصل الدم من الرئتين إلى القلب؟ وكيف يعود إلى الرئتين مرة أخرى لينقى ويصفى ويقطر مما علق به من غازات الإنسان الملوثة؟
كل هذا له نظام دقيق محكم، وكل تجويف في الجسم له غلاف خاص، وله ضغط ثابت معين حيث ينتقل الدم من وعاء إلى وعاء دون أن يتوقف لحظة واحدة. لماذا أشعر بلسع النار في أصبعي؟ لأن أعصاب الجلد الذي يغطي أصبعي أرسلت برقية، حملها عصب إلى مركز في المخ، ترجم الرسالة أنها ألم الحرق ، فأرسل برقية سريعة إلى عضلات ذراعي يأمرها أن تنقبض وتبعد أصبعي عن النار.
من منا كان يظن أن الرسائل والبرقيات تروح وتجيء بين الأصبع في نهاية الذراع أو القدم، وبين مركز المخ في قمة الرأس، في تلك اللحظة الخاطفة التي تنقضي بين إحساسنا بلسع النار وبين إبعادنا لذراعنا عنها؟
أنا لا أعرق خجلا إلا بعد أن تتم المفاوضات بين مركز المخ وبين غدة العرق، وتنتهي إلى أن يأمر المخ الغدة بأن تسكب دموعها.
إن أطرافي لا تبرد إلا بعد أن تصل برقية الخوف إلى المخ، فيصدر أمره إلى شعيرات الجلد أن تنكمش على نفسها لتهرب ما فيها من دماء استعدادا لما قد يصيبها من جراح.
عرفت كيف تنتقل الصورة من العين إلى المخ ليراها ويفهمها، ثم يبرق إلى العين يأمرها بالرؤية. عرفت كيف ينتقل الصوت من الأذن إلى المخ ليترجمه ويفهمه، ثم يأمر الأذن بالسماع. عرفت أن النبات الحي يصبح داخل نار الفرن خبزا ميتا، وأن الخبز الميت يتحول في جوف الإنسان الساخن إلى نسيج حي.
ناپیژندل شوی مخ