4 ديسمبر
عرضت اليوم في مدرسة العلوم الاجتماعية صورا من ريشة رفائيل، وقد كان أكثر الحديث والتفسير الذي قام المعلم به فيها متعلقا بالصورة التي تمثل العذراء والطفل (مريم وابنها)، وذكر في شرحه تاريخ هذه الصورة حين رسمها رفائيل وتحت أي أثر كان عمله فيها، والفرق بينه وبين أساتذته في النظر في ما يختص بها ومواضع الدقة منها، ولقد كانت الصالة التي فيها السامعون مزدحمة على تناهي سعتها، والعجيب أن قد كان أمامي ومن خلفي وعن يميني وعن يساري فتيات وسيدات وكلهن يسمعن منصتات، والسيدات على العموم يشغلن على الأقل نصف مقاعد المكان، وليس هذا التهافت من جانبهن بغريب في دروس الفنون الجميلة.
وحوالي آخر الدرس أجلت نظري في المكان جولات وتركت لخيالي أن يسرح كما يشاء، بعد أن كد فكرى طول الإنصات، ورجعت البصر وتخيلت إلى جانب هاتيك السامعات نساءنا وفتياتنا المصريات.
ثم ذكرت أني كنت من ساعات معدودة أسمع في السوربون درس المسيو لانسون عن الروح الفلسفية في أدب القرن الثامن عشر، ليتدرج من ذلك للكلام على مونتسكييه، وإني رأيت كذلك الفتيات والسيدات لا يحصى لهن عدد وهن مصغيات بكلهن أو منكبات على كراساتهن يكتبن بأسرع ما يستطعن كل ما يمكنهن كتابته من كلمات المعلم.
عرتني لهذا النظر ولذكرى مواطناتي حسرة بلغ ألمها أعماق النفس، أليس في هاتيك اللاتي رأيت اليوم من تضارع في جهتها الخلقية نساءنا وفتياتنا! لا شك أن الكثيرات جدا منهن أحسن وأرقى بكثير من نسائنا لأن لهن فضائل خاصة بهن في حين كل فضائل نسائنا سلبية وإنهن في الأغلب يسرن على قاعدة أن من العفة أن لا تجد.
هاتيك الفتيات اللائي رأيت اليوم يخرجن من دور العلم وقد سمعن من طيباته ويخالطن الناس، فيستفدن بذلك حنكة وتجربة، فإذا حادثت إحداهن حدثت إنسانا يعقل ويفهم، بل لقد رأيت منهن كثيرات يخجل الكثيرون من شبابنا إذا أجلسوا إلى جانبهن، اللهم إلا أن يمنعهم ما في نفسهم من الانتفاخ الكاذب عن أن يروا حقيقة قيمتهم، تحادث هاته الفتاة فتجدها واسعة العقل تكلمك بما يدل على قوة حكم ونفاذ بصيرة لا يمثل ذلك التعصب والضيق العقلي الذي يصل أحيانا إلى حد الحماقة مما نشاهده عند بعض إخواننا.
لذلك كان أسفي عن المصريات أشد، وإني أعتقد أنهن لو خرجن إلى الوجود الحي واختلطن بالرجال وخبرن بذلك كل ما في الحياة لوصلن لخلق شخصية لأنفسهن، وفي الوقت عينه هذبن الشبان وبعثن إلى قلوبهم إحساسا بمعنى الحياة الإنسانية التي تحوي غير الشهوات الضيقة التي لا يفهم شبابنا غيرها.
8 ديسمبر
كان عندنا الليلة خمسة من أصدقاء ربة البيت دعتهم للعشاء، ثلاث سيدات وسيدان، ولقد جاءوا جميعا قبيل الموعد المضروب للطعام إلا واحدا منهم تأخر عنه عشرة دقائق، فلما دخل اعتذر وقمنا بذلك لغرفة الأكل وأخذ كل مكانه حول المائدة.
وقد كان بجواري فتاة في العشرين من عمرها لم أعرفها من قبل، وإنما قدمت إليها ساعة حضورها، وهي وسيمة الطلعة معتدلة القوام نحيفة، لكن أجمل ما فيها إتقانها لهندامها، فنرى ما تلبس على بساطته يكسبها رونقا بديعا، فثوب سماوي اللون ينساب دقيقا من كتفها إلى قدمها، وينم في انسداله عن خطوط الجسم الذي تحته، وكماها القصيرين يظهر من تحتهما ذراعان جميلان حقيقة، وكل ما عليها بسيط وغاية في الجمال.
ناپیژندل شوی مخ