د ځوانانو یادښتونه

محمد حسین هیکل d. 1375 AH
172

د ځوانانو یادښتونه

مذكرات الشباب

ژانرونه

لبنان مصيف الشرق الأدنى، هو كذلك بطبيعة موقعه، فهو وسط بين تركيا والعراق وفلسطين والحجاز ومصر، والمواصلات إليه من هذه البلاد ميسورة سهلة، وأهله يتكلمون العربية التي يفهمها أهل هذه الأمم، وهواؤه معتدل، ومناظره جميلة، والتقاء البحر والجبل عنده يسمح لكل إنسان أن يختار المناخ الذي يناسب مزاجه، تجتمع فيه الفصول الأربع على ما قال أحد اللبنانيين، فهو يحمل الشتاء على رأسه، والربيع فوق أكتافه، والخريف على ذراعيه، والصيف تحت قدميه ...

لكن أهل الشرق لم يتجهوا للاصطياف بلبنان قبل الحرب لأن طرقه لم تكن مطروقة، ولأن الحاكمين فيه لم يعنوا بتمهيد وسائل الانتقال، فكان المصطاف الذاهب إلى ظهور الشوير يقضي سبع ساعات في العربة التي تنقله من بيروت، ومتى بلغ غايته فقد قضي عليه أن يبقى بها وبالقرى المجاورة مباشرة لها حتى يفكر في العودة من حيث أتى، وتلك حال لا تشجع المصطافين، وإذا كان طلب الاصطياف قليلا كان عرض حاجات المصطاف بالطبع قليلا كذلك؛ لذلك كان نادرا في الأزمان الماضية أن تجد فنادق في غير البلاد التي تمر بها سكة الحديد أو القريبة من بيروت، وكان العثور على منزل به من الأثاث ما يكفي حاجات المصطاف أندر كثيرا.

أما اليوم قد قربت الأوتومبيلات ما بين ربوع لبنان، وشعر اللبنانيون بأن ما حبت به الطبيعة بلادهم الجبلية يجعل الاصطياف ثروتهم الأساسية، وتيسر الطريق فأصبح الوصول إلى لبنان من كل الدول المجاورة لا يحتاج لأكثر من أربع وعشرين ساعة، فقد قصد المصطافون هذه الربوع الجميلة فكثرت الفنادق فيها، وفكر الأهالي في الاستعداد لمقابلتهم، ورأت الحكومة من جانبها تيسير الوسائل لزيادة الإيراد وزيادة الضرائب.

المقام بالفنادق حتم على كل مصطاف، فأنت بها قبل اختيار المنزل الذي تريده لمصيفك، وتنزل بها إذا لم تكن تريد المقام في بلد واحد، والمصطاف يطلب في الفنادق حظا من الراحة والمتاع، ويطمع في غذاء جيد وفرش نظيف والأدوات الصحية للراحة والنظافة، وهو يجد في أكثر الفنادق الكبيرة فرشا نظيفا ومقابلة حسنة، أما الغذاء فكان موضع شكوى النازلين بأكثر الفنادق هذا الصيف، ولعل ذلك يرجع إلى الفرق في الذوق بين تصور المصري والسوري نفس الطعام، ولعله يرجع أيضا إلى حرص كثيرين من أصحاب الفنادق على أن يكون لديهم أكبر حظ من الربح في هذا الصيف.

على أن من الناس من لا يكبر شأن الطعام، فما أكثر الممعودين، وما أكثر من تمتلئ غرفهم بألوان الحلوى وأصناف الفاكهة! ومنهم من أظهروا الرضى عن طعام الفنادق التي نزلوا فيها، لكنهم جميعا سخطوا على ما هو عام في فنادق لبنان ومنازلها من عدم وجود الأدوات الصحية بها، فقل أن تجد بفندق أو بمنزل حماما منتظما كامل الآلة، وقل أن تجد الماء الجاري في المنازل سواء للشرب أو (للقضيان) كما يقول اللبنانيون، وهم يعزون ذلك إلى قلة الماء في الجبل، ولست أرى صحة قولهم وهذه العيون والينابيع تجري طول العام وقليل من عناية الحكومة ومن تضامن الأهالي وتضافرهم كفيل بتوفير الماء لكل الغايات.

واللبنانيون أنفسهم يقدرون الحاجة إلى الماء وإلى الأدوات الصحية ويعملون لسدادها، فقد حضرت حينما كنت في بلدة اهدن اجتماعا أقامه الأهالي للنظر في إجراء الماء للمنازل من نبع سركيس أو من نبع غيره، وأهالي لبنان إذا تضامنوا نفذوا، وإنك لتعجب إذ ترى في كثير من قراهم التي لا يزيد عدد سكانها على الألفين أو على الثلاثة آلاف نور الكهرباء أجرته بلدية القرية في شوارعها وأدخلته إلى منازلها، وترى عربات الرش تسير في هذه القرى الصغيرة تخفف مما تثيره الأوتومبيلات من الغبار، وهي تقوم بالإنارة وبالرش وبما إليهما من وسائل الراحة بأقل ما يمكن من النفقات لأنها لا تريد أن يضيع مال الأهالي إلا فيما يجر عليهم أكبر حظ من الفائدة.

ويزيد الأمل في تقدم لبنان ليكون مصيفا مختارا ما تبديه الحكومة من العناية في هذا الشأن، فقد فكرت في عقد مؤتمر طبي يحضره عدد كبير من أطباء مصر ولبنان وسوريا وغيرها ليطوفوا البلاد وليبدوا رأيهم في مبلغ صلاح كل جهة من الجهات المعروفة وغير المعروفة للاصطياف، ولوجود الجراح المصري الكبير الدكتور علي بك إبراهيم بمصيفه في برمانا رأت حكومة الجبل الاستعانة برأيه، فأبدى لهم أن عقد المؤتمر من غير وجود المعلومات الكافية لدى الأطباء الذين يحضرونه لا ينتج الفائدة المطلوبة، فليس يستطيع طبيب أن ينصح لمريض بالذهاب إلى جهة معينة إلا إذا عرف على وجه الضبط مبلغ ارتفاع الجهة عن سطح البحر وتفاوت درجة الحرارة فيها خلال فصول السنة المختلفة وتفاوت درجة الرطوبة كذلك، ثم إن بلبنان ينابيع شتى يقال إن لمياه بعضها فائدة شفائية خاصة، وليس يمكن الاعتماد على هذا القول إلا إذا حللت مياه الينابيع في معامل كيمائية حائزة تمام الثقة، فلكي يكون للمؤتمر فائدته يجب أن توجد لدى أطبائه مقادير ارتفاع جهات الجبل المختلفة ودرجات الحرارة والرطوبة فيها، كما يجب أن توجد تحاليل المياه لتعرف فائدتها الشفائية معرفة صحيحة، وقد اقتنع أولو الأمر برأي الطبيب المصري الكبير واستبدلوا فكرة المؤتمر في هذا العام بنزهة طبية يقوم بها عدد من الأطباء لمشاهدة أماكن الاصطياف المختلفة مشاهدة أولية، فإذا كان العام القادم وتوفرت المعلومات الكافية على طريقة علمية دقيقة انعقد المؤتمر فكان لديه من نزهة هذا العام ومن المعلومات التي جمعت له ما يجعل نتائج اجتماعه موثوقا بها، وما يسمح للطبيب أن يرسل بمريضه إلى الجهة التي تناسبه لا لأن هذه الجهة ناسبت شخصا آخر من قبل، ولكن لأن ارتفاع هذه الجهة ومناخها وهواءها وماءها صالح له صلاحية علمية مقطوعا بها.

اقتنع أولو الأمر في حكومة لبنان برأي الطبيب المصري الكبير في أمر المؤتمر كما اقتنعوا برأيه فيما يجب على الحكومة لتوفير راحة المصطاف، ولضمان صحة الأهالي، فأصبح متوقعا أن تقرر مراقبة غذاء الفنادق والأدوات الصحية بها جعل مجاري وآبار الفنادق والمنازل صماء حتى لا تلوث مياه العيون التي يشرب منها الناس والدواب، فإذا توفر ذلك كله وتوفرت للمؤتمر المعلومات الطبية الصحيحة، وأسفر تحليل مياه بعض العيون عن فائدة شفائية كان مصيف الشرق الأدنى بديعا حقا، وكان إقبال الناس عليه كفيلا بسعي أهله لإخضاع الطبيعة لهم بدل خضوعهم للطبيعة وفي اجتهادهم للاستفادة من القوى الموفورة لديهم والتي يمكن تذليلها واستخدامها لفائدة السكان ولراحة المصيفين جميعا.

في لبنان قوى موفورة من انحدار المياه، يقدرون بعضها بما يزيد على عشرين ألف حصان، ولو ضمت القوى المختلفة بعضها إلى بعض لزادت على ما يحتاجه لبنان كله للنور ولسير عربات الكهرباء ... أخبرني المحترم الخوري أنطونيوس خوري قصبة بشرى وأرز لبنان أن نبع قاديشا الواقع على مقربة من الأرز ينحدر ماؤه بقوة قدرها في أقل أوقات اندفاعها بستة عشر ألف حصان، وأن شركة تألفت لاستغلال هذه القوة وإنارة سلاسل لبنان الشمالية كلها بالكهرباء من أرفع نقطها عند الأرز إلى مرفأ طرابلس، وأن ما توفر بعد ذلك من القوة يوجه إلى أعمال أخرى، فلو تم هذا المشروع في شمال لبنان وتمت مشروعات من مثله في سائر جهات الجبل وعاونت الكهرباء الأوتوموبيلات في قطع نواحي الجبل نجمت على أثر ذلك حاجة للكمال، وقامت أعمال التجديد واستطاع أهل الجبل أن ينفقوا ما لديهم من النشاط المحبوس اليوم على صناعات قليلة وزروع نادرة الثمر، فجعلوا من لبنان جنة الشرق، ووجد المصطاف كل حاجاته وكل ما يطمع فيه من كمال المتاع.

بل لو اتجهت العناية أكثر من هذا كله إلى حجز كمية من المياه الغزيرة التي تتدفق إلى الجبل طول الشتاء لتنمية الأشجار على السفوح الجرداء، ولتنويع ما هو موجود ولإدخال أشجار وأزهار جديدة إذن لفاقت سويسرا ولفاقت التيرول هذه النواحي البديعة التي أغدقت عليها الطبيعة من نعمها، والتي ظلت على حال أليمة من الفقر جعلها باقية اليوم كما كانت منذ القدم، وجعل الأكثرين من أهلها يضطرون للنزوح والهجرة إلى مصر، وإلى أمريكا، وإلى أستراليا طلبا للعيش وسعيا وراء الثروة.

ناپیژندل شوی مخ