إن الاستقامة والنزاهة هي المذهب السياسي الأول لمن يريدون أن يخدموا البلاد عن طريق الاشتغال بالسياسة، وهي السبيل إلى إصلاح ما فسد من شئون الحكم وإلى جعل الأداة الحكومية أداة إنتاج وتقدم ومناعة وذود عن حقوق البلاد وكيانها. الاستقامة هي أساس كل صلاح وفلاح، وقد جمع فيها رسول الله أطراف الإسلام كافة؛ إذ سأله سفيان بن عبد الله الثقفي أن يقول له في الإسلام قولا لا يسأل عنه أحدا غيره، فأجابه رسول الله صلوات الله عليه بهذا الجواب الجامع المانع الحكيم: «قل آمنت بالله ثم استقم.»
اعترافاتي1
إن «الاعترافات» بمعناها اللغوي ومعناها القانوني تنصرف إلى المآخذ والنقائص، فاعتراف الإنسان لغة هو إقراره بالشيء على نفسه، والاعتراف قانونا هو الإقرار بالدين أو بالتهمة، وفي القرآن الكريم:
وآخرون اعترفوا بذنوبهم ؛ فالذي يكتب عن اعترافاته إنما يتكلم عن نقائصه وعيوبه، وعليه أن يحصي على نفسه السيئات، دون الحسنات، وبغير ذلك لا يكون موضوع حديثه «اعترافات».
بهذا المعنى أكتب عن «اعترافاتي»، وليس الحديث عنها عسيرا؛ فما أكثر ما في حياة المرء من نقائص وعيوب وأخطاء ومآخذ! وحسب الإنسان أن تربى حسناته على سيئاته، وأن ترجح في الميزان مزاياه على نقائصه.
إني أعترف بأن بي نقائص كثيرة، سعيت جهدي ولا أزال أسعى في أن أتحرر منها وأخفف من وطأتها. (1) الحياء ضعف
وأول ما أعترف به على نفسي أني شديد الحياء، لازمني هذا النقص منذ صباي ولم يفارقني في أدوار حياتي.
إني أعتقد أن الحياء ضعف في الإنسان، ومهما قيل في مدحه فإني أراه على العكس مجلبة للضرر، ووسيلة إلى الزلل، وقد شعرت بأنه أضرني فعلا وضيع علي حقوقا ومصالح ومزايا كثيرة، وسعيت جادا في أن أتحرر منه، ولكن ذهب مسعاي سدى.
لست أدري مصدر هذا الضعف ولا كيف تمكن مني، ولعله من العناصر الأصلية في تكويني، ومع شعوري بأني لست ضعيف الإرادة فقد ضعفت إرادتي عن علاج هذا النقص.
أنا لا أحب الحياء ولا أريده، ولكن ما حيلتي وقد ركب هذا النقص في طبعي؟ وكل ما سعيت إليه ألا يتحول الحياء عندي جبنا، ولعلي قد نجحت في هذا المجال؛ فإني والحمد لله لست جبانا، بل عندي قسط لا بأس به من الشجاعة، ولا أريد أن أقول كيف نجحت في هذا المسعى وإلى أي مدى نجحت؛ لأني إذا استطردت إلى هذا الحديث خرجت من دائرة «الاعترافات» ... (2) الحياء والحب
ناپیژندل شوی مخ