وغريب أن تطلب الحكومة البريطانية منا بعد كل هذا أن نحسن الظن بنياتها، إذ كيف يمكن أن يكون سبيل إلى حسن الظن ونحن نرى منها كل هذا الإصرار على أن تضرب على المصريين حماية رفضوها ... ونرى كل هذه المبالغة في إبعاد سعد باشا ورفاقه في الوقت الذي تعرض فيه تسوية وقتية، والذي تدعي فيه أن الكلمة أصبحت لمصر.
يأسفون لأننا نرى في التدابير الاستثنائية التي اتخذت أخيرا مساسا بمطمحنا الأسمى ... والمصريون لا يرون فيها ذلك المساس؛ لأن هذا المطمح أرفع من أن يمس. إنما يرون فيها مساسا بكرامتهم وشرفهم القومي، ويرون فيها إخلالا بمبادئ العدل الأولية.
حريتنا الشخصية مصادرة ... وحريتنا السياسية مخنوقة، والصحافة ما بين مكممة ومعطلة لا تستطيع نشر آراء الأفراد والهيئات في الحالة الجديدة. والاجتماعات العامة محرمة ... وزعيم البلاد رأس الحركة الوطنية مبعد عن الوطن ... والوطنيون مهددون بالنفي والاعتقال، كل هذا ويريدون أن يقنعونا بأن ذلك في مصلحتنا.
حقا إن مصلحتنا ومصلحتهم تقتضيان بأن يوضع حد لهذا الهياج، ولكن ذلك الهياج ليس إلا وليد سياسة الإرهاب والخديعة التي اتبعت في طول البلاد وعرضها.
إن مصلحتنا ومصلحتهم هي في رفع الظلم الذي وقع، وإلغاء التدابير الاستثنائية التي اتخذت، وتحطيم السلاسل التي تقيد حريتنا، وإعادة سعد والمنفيين إلى بلادهم، ورد المعتقلين السياسيين إلى أهلهم.
حينذاك تطمئن النفوس ويصبح في الإمكان بحث المسألة المصرية في جو هادئ، فنقول مصر كلها:
أيها المصريون ... إن السياسة البريطانية تريد أن تختبركم مرة أخرى، لقد سمعت طلباتكم ولم يبق خافيا شيء من الحل الذي يقضي به العدل، ولكن فريقا قليلا منكم أطمعوها فيكم وفي ثبات عزيمتكم، فوضعت يدها في أيديهم كي يكرهوكم بالحيلة والإرهاب على قبول نظام رفضتموه من قبل.
إنهم يظنون أن جهودكم التي بذلتموها بسخاء يمكن أن تضيع عليكم، فأثبتوا لهم مرة أخرى أنهم في ظنهم هذا واهمون، وأنكم تطلبون الاستقلال ولا تقبلون ما دون الاستقلال. «فلتحيا» مصر ... «وليحيا» سعد باشا.
الفصل الحادي والعشرون
في شهر مارس 1923، تلقينا دعوة من الاتحاد النسائي الدولي لحضور المؤتمر الذي يعقد في روما، وكانت الدعوة موجهة إلى نساء مصر، وكانت لجنة الوفد المركزية للسيدات المصريات هي إذ ذاك الهيئة النسائية البارزة، ومن ثم جاء تفكيري في تشكيل جمعية الاتحاد النسائي المصري من بين أعضاء لجنة الوفد. وقد انتدبت الجمعية عنها وفدا لحضور هذا المؤتمر مكونا مني ومن زميلتي السيدة نبوية موسى والآنسة سيزا نبراوي، وكانت هذه هي أول مرة يرتفع فيها صوت المرأة المصرية في الخارج باشتراكها في هذا المؤتمر.
ناپیژندل شوی مخ