هدى شعراوي
وبعد أن تناثرت الشائعات عن استقالة عدلي باشا يكن، نتيجة فشل المفاوضات التي أجراها مع اللورد كيرزون، كان المتوقع أن تعيش البلاد فترة مماثلة لتلك التي عاشتها من قبل عقب استقالة وزارة حسين رشدي باشا، ولكن ظهر في ذلك الوقت احتمال قبول أحد المصريين تشكيل الوزارة؛ فواكبت لجنة الوفد المركزية للسيدات هذا الموقف الجديد، ونشرت هذه الكلمة في الصحف:
لقد أدى عدلي باشا الواجب عليه برفضه مشروع كيرزون وتقديم استقالته وإن كانت لم تظهر صيغتها للآن. غير أننا نسمع أن وزارة ستشكل، وأننا إزاء ذلك لنقف مندهشين لا نكاد نصدق أن يوجد مصري تسمح له وطنيته أن يقبل الوزارة في أحرج وقت تمر به بلادنا المغلوبة على أمرها، إذا صح أن بمصر خائنا يقبل أن يكون آلة تسخره إنجلترا لتنفيذ حكم الموت على بلاده التي نشأ فيها وغذاه نباتها ورواه نيلها، بعد أن ظهرت نيات إنجلترا الاستعمارية في مشروع كيرزون ومذكرة اللورد اللنبي، وبعد أن ظهر ظهور الشمس أن إنجلترا تريد أن تكون الوزارة المصرية عونا لها على تنفيذ سياستها وقتل روح الوطنية ومحو كل مقاومة لاستعبادنا بالقوة الغاشمة ... فهل يرضى مصري بهذه الوصمة؟ إننا لا نصدق ذلك، والأمة والتاريخ له بالمرصاد.
ومن ناحية أخرى، فإننا على إثر فشل المفاوضات الرسمية مع اللورد كيرزون ومذكرة اللورد اللنبي، عبرنا عن رأينا فيما حدث في هذا البيان:
لقد انتهت المفاوضات الرسمية بين الحكومة المصرية والحكومة الإنجليزية ونشرت بالجرائد ليطلع عليها الشعب المصري والشعب الإنجليزي في آن واحد، فشهد الشعبان معا بل شهد العالم أجمع استعداد الأمة المصرية لعقد تحالف يضمن استقلال مصر ومصالح إنجلترا وباقي الدول فيها، كما شهد سوء نية الحكومة الإنجليزية وعدم رغبتها في الوصول إلى حل معقول بين الأمتين.
يهددنا اللورد اللنبي بالنيابة عن حكومته بالالتجاء إلى استعمال القوة والبطش إذا نحن لم نوقع صكا بعبوديتنا الدائمة بأيدينا، ويذكرنا بما لإنجلترا من الفضل علينا وبما نحن مدينون لها به بما قدمته لنا من مساعدات وخدمات ... نحن نعذر اللورد اللنبي لأننا نعتقد أنه لم يتمكن في المدة الوجيزة التي قضاها بيننا وفي ظروف استثنائية من درس أخلاقنا وقوميتنا، وإن كنا لا نظنه على جهل تام من معرفة تاريخنا المجيد. وكذلك نعذر الحكومة الإنجليزية الحالية؛ لأنها استعمارية وقد أعمتها مطامعها عن النظر إلى الحقائق وتقدير العواقب. ولكننا لا نجد عذرا ننتحله للأمة الإنجليزية بل وللأمم المتمدينة الأخرى إذا كانت هي أيضا تنظر بعيني اللورد اللنبي وحكومته، ولم تحسب حسابا للانقلاب الذي سيحدث في نفوس المصريين من قرب اليأس إلى قلوبهم، ولم تستدرك الأمر. إذا كان للإنجليزي فضل علينا، فذلك الفضل راجع إلى اللورد كيرزون الذي أدى إلينا بصراحة مشروعه خدمة لا تقدر، إذ كشف لنا النقاب عن نوايا إنجلترا الاستعمارية، وأوقفنا على درجة مهارة حكومتها من السياسة والحذق.
فليعلم اللورد اللنبي ولتعلم حكومته أنه إذا كان كما يقول من صالح المصريين أن يعيشوا على وفاق تام مع الدولة الإنجليزية، فما من مصري يجهل أنه من صالح إنجلترا أكثر أن تحافظ هي على صداقة الأمة المصرية لها وحسن ثقتها بها، وأنه لا يمكننا أن نتجاهل ولا نقدر ما يهدد مصر بل والدول الأخرى من الخطر العظيم إذا نحن قبلنا المشروع المعروض علينا. أما تهديدات الحكومة الإنجليزية ذاتها فلا ترهبنا ولا تزعجنا، بل تزيدنا ثباتا وعزما واتحادا على المثابرة في العمل لنجاح قضيتنا العادلة؛ لأننا نعلم أن سياسة الإرهاب والقوة قصيرة العمر خطيرة العاقبة على المستند عليها، خصوصا إذا استعملت ضد أمة أثيلة في المجد تحتم عليها كرامتها أن تعيش حرة أو تموت.
وبعد أن ألف عبد الخالق ثروت باشا وزارته، وجهت إليه لجنة الوفد المركزية للسيدات خطابا تعترض فيه على ما انتهجته وزارته من عنف وقسوة ضد المواطنين، وقد هددناه في هذا الخطاب بأن تكون السيدات أول الطليعة التي تتلقى حراب جنود الحكومة ... وهذا هو نص الخطاب:
يا صاحب الدولة ثروت باشا رئيس مجلس الوزراء
أتيتم في وقت كانت الأمة المصرية تعمل فيه لاسترداد حقها المغتصب، غير طالبة أي مساعدة ... معتصمة بالحق، قوية باتحادها، فصرحتم بأن وزارتكم ستعمل لتحقيق أماني الأمة مسترشدة بإرادتها، فكان لهذا القول أحسن وقع في نفس الشعب الذي طالما انتظر تحقيق ذلك، ولكن مع الأسف قد أتت النتيجة مخيبة للآمال مثبطة للعزائم؛ حيث قد ظهرت أعمالكم مخالفة أقوالكم، فلما انتبه الشعب من سكرته وفطنت الأمة لنتيجة أعمالكم، قامت لإظهار شعورها وإعلان ثباتها على مبدئها، فقابلتم هذه الحركة بالعنف والقسوة وسلحتم الأخ ضد أخيه وأخرجتم القوانين الاستثنائية من قبورها لتعاقبوا بها المخلصين لبلادهم المتفانين في سبيل حريتها. وها قد امتلأت السجون بأبناء مصر الأبرياء وتخضبت الأرض بدماء شهدائها وتقرحت أعين الثكالى وتفتت أفئدة الأرامل واليتامى، فهل تعتقدون للآن بأنكم تعملون لتحقيق أماني الأمة، أم هي قوة تدفعكم إلى القيام بما لا يرضي الحق والعدل؟ فإن كان السبب الأول هو الدافع لكم، فقد ظهر أن سياسة الشدة أسوأ الطرق ... ونحن سيدات مصر أمهات وزوجات وأخوات نطلب منكم منع تدخل البوليس في المظاهرات السلمية، وإلا فنعلنكم نحن معشر السيدات أننا أول من يكون في الطليعة لنتلقى حراب جنودكم فداء عن أزواجنا وأبنائنا وإخوتنا العزل من السلاح، وإن كان السبب الثاني فدعونا نقف وجها أمام أعينكم، وتمثل مأساة سنة 1882 مجسمة، فتقضون على الأمة القضاء الأخير بدل أن تتمشوا على إرادتها كما تقولون.
ناپیژندل شوی مخ