ونظرا لضرورة إلغاء تلك المنازل وهذه التجارة كما تقدمت توصيات بذلك إلى جمعية الأمم.
فإن المؤتمر يطلب من الجمعيات المشتركة فيه أن تسعى كل لدى حكوماتها لتسهيل ما تقوم به السلطات المصرية من أعمال التطهير صحيا وأدبيا.
وقد لقي هذا الاقتراح بعض الاعتراض، وبخاصة من جانب رئيسة الوفد الإنجليزي لعلاقته بنظام الامتيازات ما يجعل له صفة سياسية. وكان المطلوب هو إرجاء النظر فيه إلى مؤتمر قادم. ولكني حرصت على الاتصال برئيسات سائر الوفود بين الجلسات حتى كللت مجهوداتنا بالنجاح. ونذكر هنا بالفضل دور رئيسة الوفد الفرنسي مدام كرامر باك المحامية، فقد حملت على نظام الامتيازات المجحف حملة صادقة، فوافق المؤتمر على الاقتراح المصري بالإجماع ما عدا الوفد الإنجليزي الذي امتنع عن التصويت.
ومما يذكر أيضا أن المؤتمر قرر قبل انفضاض جلساته أن ينتخب مكتبا يسمى «مكتب الاتحاد النسوي العام» وهو مؤلف من عشرين عضوا، وقد أعيد انتخاب رئيسة الوفد المصري عضوا في هذا المكتب بعد أن رشحتها للعضوية ممثلات 211 دولة ونالت في الانتخاب العام 161 صوتا. فكان هذا إشادة بذكر مصر ورفع اسمها بين الدول.
المرأة المصرية في برلين
وقد كتب الأستاذ كريم ثابت، وهو أحد الصحفيين المصريين البارزين وابن رئيس تحرير جريدة المقطم، مقالا تحت هذا العنوان؛ حيث تصادف وجوده في ألمانيا أثناء انعقاد مؤتمر برلين، قال فيه:
اتفق وجودي في برلين في الشهر الماضي في أثناء انعقاد المؤتمر النسائي الذي دعا إليه الاتحاد النسائي الدولي. وقد مثلت مصر فيه السيدة هدى هانم شعراوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري والآنسة حداد والآنسة سيزا نبراوي والآنسة ماري كحيل تمثيلا لائقا مشرفا لهذه البلاد ولسيداتها الناهضات ... وحسبي أن أورد هنا للقراء ما حدث في المأدبة الشائقة التي أقامتها السيدة هدى هانم في فندق «كايزر هوف» ببرلين لجمهور من وزراء الألمان الحاليين والسابقين وكرائم السيدات والأوانس اللواتي ينتمين إلى أكبر البيوت الألمانية العريقة في الحسب والنسب.
وقد كان في مقدمة من لبى الدعوة إلى المأدبة المصرية سعادة الدكتور جرارد وزير الحقانية الألمانية الحالي وسعادة الهر روزن وزير الخارجية الألمانية الأسبق وقريناتهم، والبارونة كاردورف عقيلة وكيل مجلس الرخستاغ وزعيمة الحركة النسائية في ألمانيا، وغيرهم من الكبراء والعظماء. وكان الرجال لابسين ملابس السهرة الرسمية (الفراك لا السموكنج) ومتقلدين أرفع نياشينهم دلالة على عظمة تقديرهم للدعوة التي وجهت إليهم وشدة اعتبارهم لها.
وبعد الفراغ من الطعام، نهضت السيدة هدى هانم شعراوي وخطبت خطبة بليغة باللغة الفرنسوية، شكرت فيها الألمان ولا سيما السيدات الألمانيات على ما لقيه الوفد النسائي المصري من حفاوتهن وإكرامهن، وعلى ما صادفته الاقتراحات المصرية من العطف والتأييد في جلسات المؤتمر وخصوصا ما يتعلق بوجوب تعديل الامتيازات الأجنبية تعديلا يشد أزر الحكومة المصرية في الضرب على أيدي المتاجرين بالمواد المخدرة. وعقبتها الآنسة ماري كحيل فخطبت بالألمانية بطلاقة أدهشت سامعيها من أبناء تلك اللغة وبناتها. فبسطت للحاضرين المراحل المتعاقبة التي اجتازتها النهضة النسائية في مصر في السنوات الأخيرة.
ونهضت بعد ذلك البارونة كاردورف ، وارتجلت خطبة ضافية باللغة الألمانية تولت الآنسة ماري كحيل ترجمتها إلى الفرنسوية، ومما قالت زعيمة الحركة النسائية في ألمانيا إنها زارت مصر في الشتاء الماضي للاستشفاء، فانتهزت فرصة إقامتها فيها لتدرس حقيقة النهضة النسائية المصرية عن كثب، فخرجت من هذا الدرس وهي مطأطئة احتراما للمجهود الذي بذلته سيدات مصر في هذا الميدان، وقالت: «وبلغ من شدة إعجابي بنشاطهن وحماستهن أنني قلت في نفسي لو لم أكن ألمانية لأحببت أن أكون مصرية.» ثم استطردت إلى الكلام عن السجون والإصلاحيات والملاجئ والعيادات النسائية في مصر. فأفاضت في الكلام عما شاهدته من النظام والنظافة وحسن المعاملة في سجن النساء، وتكلمت بعد ذلك عن الملجأ الذي أنشأته السيدة هدى هانم شعراوي فوصفت أقسامه وما شاهدته من إقبال اليتيمات وغيرهن على الاستفادة من العلوم والصناعات التي يتلقينها فيه. وهنا نوهت الخطيبة بمآثر السيدة هدى هانم ومناقبها وبحسن بلائها في سبيل رفع لواء النهضة النسائية في مصر، فصفق الحاضرون وهتفوا لرئيسة الاتحاد النسائي المصري، فسارت البارونة كاردورف إلى حيث كانت السيدة هدى هانم جالسة وقبلتها بين تصفيق المدعوين الشديد. ثم تكلم كاتب هذه السطور بالفرنسوية.
ناپیژندل شوی مخ