186

مذکرات هدی شعراوي

مذكرات هدى شعراوي

ژانرونه

هكذا كانت تتحدث الصحافة عن القيادات النسائية في مختلف أنحاء العالم، وهكذا كانت تؤازر النهضة النسائية المصرية، لكن رغم ذلك كان علينا أن نشق طريقنا وسط الصعاب، ولذلك وجهت كتابا مفتوحا إلى صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء وصاحب المعالي وزير الحقانية بشأن الدعوة النسائية للإصلاح الاجتماعي.

وقد جاء في هذا الكتاب المفتوح ما يأتي:

في شهر يونيو 1923 أوفدت جمعية الاتحاد النسائي التي لي شرف رئاستها وفدا من أعضائها لرئيس مجلس الوزراء يرفع إليه طلبين مهمين: تحديد سن زواج البنت، ومساواتها بالبنين في التعليم الثانوي والعالي، فرحبت وزارة صاحب الدولة يحيى إبراهيم باشا بهذين الطلبين مقتنعين بعدالتهما، وعملت فعلا على تنفيذهما.

امتلأنا غبطة وسرورا لإنصاف حكومتنا وحبها في الإصلاح، فشجعنا ذلك على تقديم مطالب أخرى حيوية تكفل سعادة الأسرة المصرية لما فيها من عدل وإنصاف يتفقان مع مقتضيات العصر الحاضر وروح الشريعة السمحاء.

رفعنا تلك المطالب في شهر نوفمبر 1926 في عهد وزارة صاحب الدولة عدلي باشا يكن إلى صاحب المعالي أبي السعود باشا وزير الحقانية إذ ذاك، فأعارها من الاهتمام ما هو معهود فيه من حب الإصلاح، ثم رفعناها أيضا إلى مجلس الشيوخ والنواب فصادفت ارتياحا من قبل الحكومة ونواب الأمة، فأحيلت على لجنة مكونة من نخبة من رجال الدين والقانون لدرسها درسا دقيقا، فرأت هذه اللجنة (اتقاء التصادم بأفكار الرجعيين) إدخال تعديلات كادت تذهب بمزاياها، وبعد الانتهاء من تعديلها، عرضها على مجلس النواب للتصديق عليها، فلم تسمح الظروف بنظرها، وتأجلت من جلسة لأخرى لاشتغال المجلس بغيرها من الأمور المستعجلة.

والآن وقد عطلت الحياة النيابية، وأخذت الحكومة الحاضرة على عاتقها القيام بتحقيق كل إصلاح ترى فيه سعادة الأمة المصرية بأسرها، رجالها ونسائها أغنيائها وفقرائها، كنا نأمل أن تعير مشروع الأحوال الشخصية ما يستحقه من العناية والاعتبار، غير متأثرة بعامل من العوامل إلا حب الإصلاح.

ولما كانت هذه عقيدتنا في الوزارة الحاضرة، هالنا ما قرأناه في جريدة المقطم مما يفهم منه أن الحكومة شارعة في إهمال مسألتي تعدد الزوجات وفوضى الطلاق أو تعديلهما تعديلا يذهب بالبقية الباقية من مزاياهما، بحجة أن تعدد الزوجات أخذ في التلاشي بسبب كثرة النفقات ولانتشار العلم والمعرفة، ولأن وقوع الطلاق على يد القاضي بعد ذكر أسبابه قد لا يكون في مصلحة الزوجين إذا فرض وكان لرجل ولزوجته ابنة في الثامنة عشرة من عمرها مثلا، وقد أتت الزوجة عملا منكرا يستحق الطلاق، فيكون في ذلك من التشويه بسمعة البنت ما يضر بمستقبلها ويقف حجر عثرة في طريق زواجها.

فهل هذه هي الأسباب الخطيرة التي من أجلها ترى الوزارة إهمال النظر في المسألتين السابقتين الحيويتين؟

لا نظن أن وزير الحقانية على ما نعهده فيه من الحكمة وسداد الرأي، يبدي مثل هذه الأسباب التافهة إذا أراد إهمال النظر في هاتين المسألتين.

أما عن المسألة الأولى، فإذا كنا نسلم بأن تعدد الزوجات قد أخذ في التلاشي، فقد يكون ذلك منحصرا في الطبقة الراقية من الأغنياء؟ لأننا لا نزال نرى بمزيد من الأسف كثيرا من المتعلمين يتزوجون بغير واحدة لا لسبب سوى إرضاء شهواتهم، كما نرى تعدد الزوجات شائعا بين الطبقتين المتوسطة والفقيرة، بالرغم من غلاء المعيشة، حتى إن بعض الفقراء إذا ادخر شيئا ولو قليلا من أجره اليومي، سارع إلى الزواج بزوجة أخرى بدلا من إنفاق ما ادخره في حاجات بيته الضرورية والعناية بأولاده وذويه.

ناپیژندل شوی مخ