قلت: لما تنازل نسيم باشا عن حقوق مصر في السودان، وقامت الأمة ضده نساء ورجالا ... واضطرته إلى الاستقالة ... رأيناك تحبذ فعله، وتكتب في تلغرافاتك ومقالاتك أن نسيم قد استحق تقدير الوطن، وقد أدهشني ذلك، فجمعت السيدات أعضاء لجنتنا المركزية واقترحت عليهن أن نكتب إليك بالحقيقة، ظنا بأنك تجهل ما فعله نسيم ولم تصل إليك تفاصيل الأمر.
فقال: ولماذا لم تكتبي إلي؟
قلت: ظن السيدات أن في ذلك حكمة، وفضلنا أن ننتظر حتى تصلك الصحف ثم نرى تأثيرها عليك، وانتظرنا فعلا، ولكن رأيناك مستمرا في تحبيذ نسيم باشا، فدهشنا وتأسفنا، ولما استقال نسيم، وعرض جلالة الملك على عدلي باشا تشكيل الوزارة، علمت أنه اشترط لقبولها إعادة السودان إلى لقب ملك مصر، فسررنا لهذا الخبر، ولكن حال أعضاء الوفد دون تأليف وزارة عدلي، وأقاموا المظاهرات، وقد سمعنا الغوغاء في هذه المظاهرات يقولون: «الحماية على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلي.»
وحدث إثر ذلك أن أقفل بيت الأمة، واعتقل أعضاء لجنة الوفد، وتنحى عدلي باشا عن تشكيل الوزارة الجديدة.
ولما وصلني تلغرافك الذي فيه تستفهم أولا عن بيت الأمة، ثم عن أعضاء الوفد، أخيرا عن مصر، كتبت ردي على ما كنت أعتقده حقيقة من أن كل ذلك نشأ عن سوء تصرف أعضاء الوفد، ولولا تصرفهم هذا لما رفض عدلي باشا تأليف الوزارة ولا استعادت مصر بتنفيذ شروطه ما فقدته من حق أودى به نسيم.
فقال في ارتباك: أنا لا أحب نسيم، ولكني أعتقد أنه أحرج وتورط، وأنه أدى خدمة باستقالته ... ألم تقرئي ما نشره في الجرائد بعد ذلك؟
فقلت له: إني أدهش يا باشا من أنك ما زلت تجد في استقالة نسيم بعد تسليمه، شيئا من الشجاعة والوطنية، لقد كان في إمكانه أن يستقيل قبل أن يفرط في حقوق البلاد.
فقال: ليس هذا ذنبه، لقد قدم استقالته، ولكن جلالة الملك لم يقبلها وجميع الوزراء في حضرته، وقال لهم: إن في إصرارهم هذا خطرا على العرش ... وبكى واستبكاهم، فلم يسع نسيم إلا النزول على رغبة الملك، فإذن هو معذور.
قلت له في دهشة كبرى: هل كنت تفعل هذا لو كنت محل نسيم باشا؟ تبيع البلد لأجل دموع الملك؟
فقال: لا ... لا ...
ناپیژندل شوی مخ