29
قال: وبلغ العجاج أن رؤبة قال: أنا أشعر من أبي، فقال له أبوه أنت أشعر مني؟ قال: نعم، قال: ومن أين أتاك ذلك؟ قال: من حيث أتاك، إنك أشعر من أبيك رؤبة، فسكت. وتنازعا معًا بحضرة عبد الملك بن مروان في قول: وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ وكانت لرؤبة دون العجاج، فأخذها العجاج ثم أنشدها لعبد الملك، وأخذ جائزتها، فقال رؤبة لأبيه: ما أنشدت أمير المؤمنين؟ فقال: وقاتم الأعماقِ خاوي المخترقْ فقال: والله لقد سرقت شعري، ولست أفارقك أو تدفع إلي جائزتها، وإلا بيني وبينك عبد الملك. فرجعا إلى عبد الملك، فقال رؤبة: يا أمير المؤمنين، إن أبي سرق قصيدتي، وأنشدكها. فجحد أبوه أنها لولده، وقال: هي لي دونه، وأنا قائلها. فقال له: خل عن أبيك، فقد جاء عن رسول الله، ﷺ أنه قال: " إن أحل، ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه ". فلا ضير إن اكتسب أبوك بشعرك. فأغاظ العجاج ما صنعه به ابنه رؤبة، فقال له: إن قلت وادعيته لنفسي، فأنا شاعر. فقال: إن كنت شاعرًا فلست ابن شاعر، وأنا شاعر إبن شاعر. فأنشأ العجاج يقول: يردُّ عليَّ الشعرَ منْ أمهُ ... ثلاثينَ عردًا في ثلاثِ ليالِ فأجابه رؤبة: فقد جدي جدتي، باابنَ جدتي ... ثمانينَ عردًا في ثلاثِ ليالِ فضحك عبد الملك حتى علا صوته، وأجازه كما أجاز أباه. ومات رؤبة سنة خمس وأربعين ومائة. وفي اسمه لغات: روبة، غير مهموز، ورؤبة مهموز، وروبة بفتح الراء. وسئل يونس عن رؤبة المهموزة، قال: هي قطعة من خشب، يرأب بها القدح والجفنة. ورؤبة الفرس جماعه. ورؤبة الليل: ساعة منه. ورجل رائب، ورجال روبى: تعني النعاس. ويقال: فلان لا يقوم برؤبة أهله: أي لا يقوم بما يسندون إليه من حوائجهم. ويقال: روب لبنك برؤبة، أي بخميرة تدرك بها اللبن. قال الأصمعي: حدثنا رؤبة قال: دخل علي ذو الرمة، فسمع قولي فسرق أول أرجوزتي. قال الأصمعي: دخلنا على أبي عمرو بن العلاء، فقال: سمعت رؤبة يقول: دخلت على أبي مسلم، بعد قتل مروان، وهو في بهو له بالشام، فسلمت عليه، فرد السلام وقال: أنشدني قصيدتك التي في وصف البعير، فقلت: بل أنشد مدحي فيك، وأنشأت أقول: ما زالَ يأتي الأمرَ من أقطارهِ على اليمينِ، وعلى يسارهِ مشمرٌ لا يصطلي بنارهِ حتى أقرَّ الملكَ في قرارهِ فقال: ويحك أنشدني ما قلت لك أولًا، فقلت: خفضتَ بيتًا ورفعتَ بيتا في الأكرمين من قريشَ بيتا فقال: ويحك أنشدني ما قلت لك أولًا، فقلت: ما زال يبني خندقًا ويهدمهْ وعسكرًا يشرعهُ فيهزمهْ ومغنمًا يجمعهُ فيقسمهْ مروانُ لما غرهُ منجمهْ فقال ويحك أنشدني: وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ فأنشدته، فلما انتهيت إلى قولي: ترمي الجلاميدَ بجلمودٍ مدقْ قال: قاتلك الله لقد صليت حافره. ثم دعا وصيفًا له وأسر إليه شيئًا. فقمت والوصيف في الباب، فأعطاني ألف دينار. ومن معاني رؤبة: قد رفعَ العجاجُ ذكري فادعني باسمٍ، إذا الأسماءُ طالتْ، يكفني وهذا المعنى من قول الآخر يمدح قيس بن معدي كرب: قيسٌ أبو الأشعث بطريقُ اليمنْ لا يسألُ السائلُ عنه ابن منْ وأخذ هذا المعنى دعبل فقال: إذا تسميتَ فذاكَ نسبي ولستُ أحتاجُ إلى ذكرِ أبي ومن أخبار رؤبة قال الأصمعي: إن رؤبة قال: كانت لي حاجة إلى بعض عمان السلطان، فاستشفعت ببعض أهل البصرة وبالشعر فلم تنجح، فرشوت فنلت حاجتي، فقلت: لما رأيتُ الشعراءَ بلدوا وسألوا أميرهم فأنكدوا هزمتهم برشوةٍ فأقردوا فسهلَ الله بها ما شددوا وشبيه بهذا قول الأعرابي: وكنتُ إذا أخصمتُ خصمًا كبيتهُ ... على الوجهِ، حتى خاصمتني الدراهمُ فلما تنازعنا الخصومةَ صدقتْ ... عليَّ، وقالوا: قمْ فانكَ ظالمُ وكان دعبل إذا أنشد هذا البيت: عليَّ، وقالوا: قمْ فانكَ ظالمُ يصيح صيحة قوية في قوله: قم. فقيل له: لم تصيح؟ فقال: كذا صاحوا علي لما قالوا: قم.

1 / 29