318

غيرها : سبب ظهورها وبيانها ، فالفصيح اذا من الألفاظ : هو الحسن فان قيل : من اي وجه علم ارباب النظم والنثر : الحسن من الألفاظ حتى استعملوه ، وعلموا القبيح منها ، حتى نفوه ولم يستعملوه؟

قلت في الجواب : ان هذا من الامور المحسوسة ، التي شاهدوها من نفسها ، لأن الالفاظ داخلة في حيز الاصوات ، فالذي يستلذه السمع منها ، ويميل اليه : هو الحسن ، والذي يكرهه وينفر عنه السمع منها : هو القبيح.

ألا ترى : ان السمع يستلذ صوت البلبل من الطير ، وهو صوت الشحرور ويميل اليهما ، ويكره صوت الغراب ، وينفر عنه ، وكذلك يكره نهيق الحمار ، ولا يجد ذلك في صهيل الفرس؟

والالفاظ جارية هذا المجرى ، فانه لا خلاف في ان لفظة : «المزنة والديمة» حسنة يستلذها السمع ، وان لفظة : «البعاق» قبيحة يكرهها السمع .

وهذه اللفظات الثلاثة : من صفة المطر ، وهى تدل على معنى واحد.

ومع هذا : فانك ترى لفظتي : «المزنة والديمة» وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال.

وترى لفظة «البعاق» وما جرى مجراه ، متروكا لا يستعمل.

وان استعمل ، فانما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة ، او من ذوقه غير ذوق سليم ، لا جرم : انه ذم وقدح فيه ، ولم يلتفت اليه ، وان كان عربيا محضا من الجاهلية الاقدمين ، فان حقيقة الشيء اذا علمت وجب الوقوف عندها ، ولم يعرج على ما خرج عنها.

واذن : ثبت ان الفصيح من الالفاظ : هو الظاهر البين ، وانما كان ظاهرا بينا ، لانه مألوف الاستعمال ، وانما كان مألوف الاستعمال

مخ ۳۲۰