وقال من قال: كل صيد البحر جائز، لأن الله لم يستثن منه شيئا، وهو أصح القول لقول الله - تبارك وتعالى -: ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) 1.
وعلى ذلك فقد أجمعوا - لا نعلم بينهم اختلافا - أن ما كان من أجناس الصيد المعروف بصيد البحر، ولا يشبه صيد البر ولا دواب البر، أن ذلك حلال وأن حيه وميته سواء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك: "أحل لكم ميتتان ودمان " فأما الميتتان فهما السمك والجراد، وأما الدمان فإن هناك أ قاويل.
وأما ما كان يعيش في البر والماء من الطير وغيره من الدواب المشبهة بدواب البر أو غير مشبهة من ذوات الدم، فنظرا لدخول سبب البر عليه إن كان الأغلب من أموره أن يعيش في البر أكثر فهو من دواب البر، وحكمه حكم دواب البر وصيد البر، ولو كان صيدا ودمه مفسد بالأغلب من أموره، أنه يعيش في البر أكثر زمانه وأكثر شأنه أنه من ذوات البر.
وأما ما كان الأغلب من زمانه وعيشته في البحر والماء، إلا أنه قد يعيش في البر عيشة يفارق بها دواب الماء التي لا تعيش في البر، وأنها متى فارقت الماء هلكت، فإذا كان كذلك، فلا يصح حلاله إلا بالتذكية، وذلك لدخول سبب البرية عليه، ويحكم له أو عليه بالأغلب من أموره، لأنه قد يعيش في البر، فما كان الأغلب من أموره وعيشته البر، كان حكمه حكم صيد البر، وكان دمه دم صيد البر مسفوحا، فإن صح له أنه يعيش في البر والبحر أو الماء، كان على الاحتياط أن دمه فاسد.
مخ ۱۵۷