وعندنا نجاسة أبوال الأنعام مطلقا إلا ما يعيش منها في الماء، وأما إباحته صلى الله عليه وسلم للعرنيين بشرب أبوال الابل وألبانها، فذلك لأجل الضرورة3، ذلك لأن أهل المضرة يحل لهم أشياء محرمة على غيرهم ممن ليس في مثل حالتهم، رخصة من الله سبحانه وتعالى.
وعند بعض علمائنا - رحمهم الله - أن أرواث الأنعام كلها طاهرة، ودليلهم ما روي من أن الجن اشتكوا إلى وسول الله، قلة زادهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "كل عظم ذكر اسم الله عليه فهو لحم غريض، وكل روث هو علف لدوابكم "، فقالوا: إن بني ادم ينجسونه علينا. عند ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بالعظم والروث.
وقد اختلفوا في الأرواث بسبب نظرتهم لتبعيتها للحومها، فما كان من الحيوان لحومه مباحة فأرواثه طاهرة، وما كانت لحومه محرمة فارواثه نجسة محرمة، وما كانت لحومه مكروهة فأرواثه مكروهة، وقال بعضهم: إن أرواثها تابعة لمآكلها، فما كان من الحيوان يأكل اللحم والجيف والأنجاس، فارواثه منجوسة، كالسباع والجلالة من البهائم والدجاج، وما كان من الحيوان يأكل العشب ويلقط الحب فزرقه طاهر. وقلد مضى القول بان الأبوال نجسة مطلقا عندنا.
وقد مضى ذكر تكرير مثل هذا في معانى ما ذكرنا من ذلك، وإذا ثبت فساد ميتة مثل هذا لم يتعر أن يلحقه سائر أحكام الدواب التي تفسد ميتتها من جميع ذلك، لأنه يلحقه الاسترابة من طريق معيشته من الدم النجس فيما يتعارف من أمره في هذا، فهو ما يشبه المسترابات في معاني ذلك.
وهذا يلحق حكمه والأشباه منه وفيه جميع ذوات الأرواح من الدواب والطير ومن البراغيث والقردان والحلم وأشباه ذلك والذباب والبعوض والكتك، وأشباه ذلك كله، مما يخرج حكمه أنه مجتلب للدماء ويخرج فيه حكم ذلك.
مخ ۱۴۶