أما تعليق الحكم على الشرط كقوله: (إذا بلغ الماء قدر كر ولم ينجسه شئ) (١) وكقوله: ﴿وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن﴾ (2) فهو حجة تحقيقا لمعنى الشرط، ولا كذا لو علقه على الاسم كقوله: اضرب زيدا خلافا للدقاق، والقسم الثاني ما ينفرد العقل بالدلالة عليه، وهو إما وجوب، كرد الوديعة، أو قبح، كالظلم والكذب، أو حسن، كالإنصاف والصدق، ثم كل واحد من هذه كما يكون ضروريا فقد يكون كسبيا كرد الوديعة مع الضرورة، وقبح الكذب مع النفع.
وأما الاستصحاب: فأقسامه ثلاثة: استصحاب حال العقل وهو التمسك بالبرائة الأصلية كما تقول: ليس الوتر واجبا لأن الأصل براءة العهدة، ومنه أن يختلف الفقهاء في حكم بالأقل، والأكثر فتقتصر على الأقل، كما يقول: بعض الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها، ويقول الآخر ربع قيمتها، فيقول المستدل ثبت الربع إجماعا، فينتفي الزايد نظرا إلى البراءة الأصلية. الثاني أن يقال: عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه، وهذا يصح فيما يعلم أنه لو كان هناك دليل لظفر به، أما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف، ولا يكون ذلك الاستدلال حجة، ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب والحظر .
الثالث: استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة، فيقول المستدل على الاستمرار صلاة مشروعة قبل وجود الماء فيكون كذلك بعده، وليس هذا حجة لأن شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه، ثم مثل هذا لا يسلم عن المعارضة بمثله، لأنك تقول: الذمة مشغولة قبل الإتمام فيكون مشغولة بعده. وأما القياس فلا يعتمد عليه عندنا، لعدم اليقين بثمرته فيكون العمل به عملا بالظن المنهي عنه، ودعوى الإجماع من الصحابة على العمل به لم يثبت، بل أنكره جماعة منهم،
مخ ۳۲