معجز احمد
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
يقول: لما عجز عن المقاتلة كانت تحمله العصا في الدير؛ لأنه قد ضعف ومرض خوفًا، وأظهر التوبة، وكان قبل ذلك لا يرضي أن يحمله الفرس الأشقر الأجرد، لأنه على ما يقال: يكون أصبر على السير.
وما تاب حتّى غادر الكرّ وجهه ... جريحًا وخلّى جفنه النّقع أرمدا
يقول: لم يتب اختيارًا وزهدًا في الدنيا، ولكن لما تركت وجهه جريحًا، وأسرت ابنه، وجعل الغبار عينه أرمد، خاف على نفسه فترهب.
فإن كان ينجي من عليٍّ ترهّبٌ ... ترهّبت الأملاك مثنى وموحدا
يقول: إن كان كل من يترهب ينجو من سيف الدولة، فإن جميع الملوك يترهبون اثنين اثنين، وواحدًا واحدًا ومثنى وموحد نصب على الحال.
وكلّ امرئٍ في الشّرق والغرب بعدها ... يعدّ له ثوبًا من الشّعر أسودا
وكل امرئ بعدها: أي بعد حالة الدمستق. وقيل: بعد الوقعة والهاء في له لامرئ، أي يعد لنفسه.
يقول: إن كان ينجيه ترهبه، فكل أحد بعد هذا - في الشرق والغرب - يجعل لنفسه مسحًا أسودًا ليلبسه. يعني لا ينفعه ذلك.
هنيئًا لك العيد الّذي أنت عيده ... وعيدٌ لمن سمّى وضحّى وعيّدا
هنيئًا: نصب على الحال، والعيد: رفع بفعل مضمر يدل عليه هنيئًا: أي ثبت العيد لك هنيئًا.
يقول: هنأك هذا العيد الذي أنت عيد له، لأنه يتجمل بك ويسر بكونك فيه، كما يتجمل الناس في العيد، وأنت أيضًا عيد لكل مسلم يرى هذا اليوم عيدًا، فيضحي ويذكر اسم الله تعالى في أيامه.
وقيل: أراد هذا العيد عيد لكل من سمى وضحى، وجعله عيدًا: أي عيد لكل مسلم.
ولا زالت الأعياد لبسك بعده ... تسلّم مخروقًا وتعطي مجدّدا
يقول: لا زلت بعده تلقى أعيادًا كثيرة وتلبسها، فإذا أبليت عيدًا ملبوسًا، لبست عيدًا جديدًا.
فذا اليوم في الأيّام مثلك في الورى ... كما كنت فيهم واحدًا كان أوحدا
يقول: هذا اليوم في الأيام بمنزلتك من الأنام، فهو سيد الأيام وأوحدها، كما أنك أوحد الناس وسيدهم.
هو الجدّ حتّى تفضل العين أختها ... وحتّى يكون اليوم لليوم سيّدا
يقول: البخت يسعد كل شيء، حتى الأيام، فيصير اليوم سيدا لليوم، والعين قيل: أراد بها العين الحقيقية. يعني: أن البخت ربما يجعل إحدى العينين أفضل من الأخرى؛ لما يلحق الأخرى من الآفة والنقص فتصير دونها. وقيل: أراد بالعين قول القائل هذا عين الشيء.
أي قد يكون عينان من ثوبين أو درتين وغيرهما - وإن كانا من جنس واحد - تفضل إحداهما على الأخرى؛ لما لها من الحظ، فتكون أوقع في النفس وأعظم للحظ.
فواعجبًا من دائلٍ أنت سيفه ... أما يتوقّى شفرتي ما تقلّدا
الدائل: صاحب الدولة.
يقول: ما أعجب أمر الخليفة؟! حيث جعلك سيفه، كيف لا يخافك فأنت أقوى منه سلطانا؟!
ومن يجعل الضّرغام للصّيد بازه ... تصيّده الضّرغام فيما تصيّدا
يقول أنت كالأسد، فإذا جعلك الخليفة بازه، كان قد وضع الشيء في غير موضعه! لأن الأسد لا يصيد لأحد، وإنما يصيد لنفسه، فمن جعله بازه كان آخر أمره أن يعطف عليه يومًا فيجعله من جملة صيده، فكذلك الخليفة، ربما عطفت عليه فأقمته عن ملكه وقعدت مكانه، فيصير صيدًا لك.
ومن شرط ويجعل مجزوم به وكان يجب جزم قوله: تصيده لكن حمله على التقديم والتأخير: أي تصيد الضرغام فيما تصيد، من يجعل الضرغام للصيد بازه كقول الشاعر:
إنّك إن تصرع أخاك تصرع
أي إنك تصرع إن تصرع أخاك. وقال أبو الفتح بن جني: قلت له: لم جعلت من في قولك ومن يجعل شرطًا صريحًا؟ وهلا جعلته بمنزلة الذي، وضمنت الصلة معنى الشرط حتى لا تركب الضرورة، نحو قوله تعالى: " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمُ باللَّيْلَ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيةً فَلهُمْ أجْرُهُم ". فقال: هذا يرجع إلى معنى الشرط والجزاء وإنما جئت بلفظ الشرط صريحًا؛ لأنه أوكد وأبلغ، قال: وأردت الفاء في قوله تصيده وحذفتها وهذا جائز.
رأيتك محض الحلم في محض قدرةٍ ... ولو شئت كان الحلم منك المهنّدا
يجوز أن يكون متصلًا بما قاله: أي أنك مع قدرتك الظاهرة تعامل الخليفة بالحلم. ولو شئت جعلت مكان الحلم السيف، ويجوز ألا يكون متصلًا به. أي حلمك عن الجهال عن قدرة، ولو شئت جعلت مكانه سيفًا.
1 / 310