معجز احمد
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
ژانرونه
بلاغت
وقال أيضًا وقد حضر مجلس سيف الدولة في شوال سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة، وبين يديه طلع ونارنج، وهو يمتحن الفرسان فقال لابن جش وهو شيخ المصيصة وكان عالمًا: لا يتوهم أن هذا للشرب. فقال أبو الطيب ارتجالا:
شديد البعد من شرب الشّمول ... ترنج الهند أو طلع النّخيل
الشمول: الخمرة. وسميت بذلك لأنها تشمل عقل شاربها، وقيل: لأنها تجتمع شمل الندامى عليها. والترنج: جمع ترنجة، وهي لغة. والأصح: الأترج، والأتجة. والطلع: الثمر: أول ما يخرج وهو في كمة، وكان الذي بين يدي سيف الدولة هو نارنج فسماه أترجًا، لأنه نوع من أنواعه.
يقول: هذا الطلع والأرتج بعيد من الشرب عليه، لم يحضر لذلك. قوله: ترنج الهند مبتدأ، وشديد البعد خبره مقدم عليه.
وقال ابن جني: في الكلام حذف. فقوله شديد البعد خبر ابتداء محذوف، أي أنت شديد البعد. وقوله: ترنج الهند: مبتدأ، وخبره محذوف: أي عندك، أو في مجلسك، أو بين يديك ترند الهند. وعلى الوجه الأول لا حذف فيه، وهو أولى وأو في قوله: أو طلعب النخيل بمعنى الواو، كما قيل في قوله تعالى: " أَوْيزيدونَ ".
ولكن كلّ شيءٍ فيه طيبٌ ... لديك من الدّقيق إلى الجليل
يعني: أنك لم تحضر هذا لأجل الشرب، ولكن لأجل طيبه، وكل شيء فيه طيب دق أو جل، فهو عندك وبين يديك.
وميدان الفصاحة والقوافي ... وممتحن الفوارس والخيول
ممتحن: يجوز أن يكون موضع الامتحان، ويجوز أن يكون مصدرًا كالامتحان.
يقول: عندك أيضًا مجال الفصاحة، والأشعار، لمعرفتك بهما، وعندك موضع امتحان الفوارس والخيل، لأنك أعرف الناس بهذه الأشياء كلها.
فلم يتبين معنى البيت الأول لقوم حضروا فقال يرد على من أنك عليه استعمال لفظ: الترنج:
أتيت بمنطق العرب الأصيل ... وكان بقدر ما عانيت قيلي
الأصيل: هنا القوى المكين الذي له أصل.
يقول: إنما نطقت بكلام العرب الفصيح، وكان وصفي بقدر ما شاهدته ورأيته في الحال.
فعارضه كلامٌ كان منه ... بمنزلة النّساء من البعول
أي تعرض له وناقضه، والهاء في منه تعود إلى منطق العرب وكذلك في قوله: فعارضه.
يقول: عارض قولي الفصيح قول ركيك ضعيف لكان كلامي ذكر، وكلام من عارضني أنثى. وهذا كقول الراجز:
إنّى وكلّ شاعرٍ من البشر
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وهذا الدّرّ مأمون التّشظّي ... وأنت السّيف مأمون الفلول
التشظي: التكسر، والتشقق يقول: كلامي در مخالف للدر الحقيقي؛ لأن الدر غير مأمون التشظي، وكلامي لا يقع فيه خلل. كما أنك سيف لا يخاف عليك الفلول فهو سالم عن كل عيب بخلاف سائر السيوف.
وليس يصحّ في الأفهام شيءٌ ... إذا احتاج النّهار إلى دليل
يعني: إنما يقام الدليل على الشيء الخفي، فأما الظاهر الجلي، فهو بمنزلة النهار الذي لا يحتاج إلى الدليل، لأن كل من رآه عرفه، ومن خفي عليه ضوء النهار، فلا فائدة لإقامة الدلالة في حقه، إذ المعاينه أقوى، والمشاهدة أولى، وهذا كقول البحتري:
عليّ نحت القوافي من معادنها ... وما عليّ إذا لم تفهم البقر
وقال أيضًا وقد جلس سيف الدولة لرسول ملك الروم، وقد ورد يلتمس الفداء، وركب الغلمان بالتجافيف، وأحضروا لبؤة مقتوله، ومعها ثلاثة أشبال أحياء، وألقوها بين يديه، فقال ارتجالا لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة:
لقيت العفاة بآمالها ... وزرت العداة بآجالها
العفاة: طلاب المعروف.
يقول داعيا: لا زلت تلقى العفاة بآمالها، يعني إذا لقيتهم أعطيتهم وأغنيتهم، ولا زلت تقصد أعداءك وتفنيهم.
وأقبلت الرّوم تمشي إلي ... ك بين اللّيوث وأشبالها
أطلق لفظ الروم جملة على رسولهم، لما كان منهم.
يقول: إن الروم قصدت إليك تمشي بين الليوث المقتولة، وأولادها. وجعل الليوث: لبؤة.
إذا رأت الأسد مسبيّةً ... فأين تفرّ بأطفالها؟
يقول: إذ رأتك الروم وأنت تقتل الليوث وتسبي أولادها، علمت أنها لا تقدر على الفرار بأولادها الصغار، وإنما قال: مسبيه لأنها كانت أحياء.
وقال أيضًا يذكر الفداء الذي التمسه الرسول، وكتاب ملك الروم الوارد معه.
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحبّ ما لم يبق منّي وما بقي
1 / 286