285

معجز احمد

اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

ژانرونه

بلاغت
يقول: أنت الشجاع المشهور، في حال لا يقع حافر فرسه إلا على أجساد القتلى، ورءوسهم وسلاحهم. وردّ بعض القنا بعضًا مقارعةً ... كأنّه من نفوس القوم في جدل يقول: أنت الشجاع إذا ضاق المجال، وقرع القنا بعضه بعضًا، فصار الرمح يرد الآخر عن الطعن، كما يرد الخصم حجة خصمه. شبه النفوس بالمعاني، والرماح بالحجج، والاعتراضات التي تدور بين الخصمين والحرب بالجدال. وهذا البيت متصل بالذي قبله. والمعنى: يعني أنه الفارس الشجاع في جميع الأحوال. لا زلت تضرب من عاداك عن عرضٍ ... بعاجل النّصر في مستأخر الأجل عن عرض: أي عن يمنة ويسرة، وهو متعلق بقوله تضرب. يقول: لا زلت تضرب أعداءك معترضًا لهم بسيفك، والله يؤيدك بنصر قد عجله لك، وأجل قد أخره الله عنك، فكأنه أخر الله أجلك، وعجل نصرك. فاستحسن سيف الدولة ومن حضره القصيدة هذه وأطنبوا في وصفها، فقال ارتجالا: إنّ هذا الشّعر في الشّعر ملك ... سار فهو الشّمس والدّنيا فلك يقول: شعري ملك الشعر، كما أنك ملكت الخلق، وهو شمس يسير في الدنيا، كما تسير الشمس في الفلك. عدل الرّحمن فيه بيننا ... فقضى اللّفظ لي والحمد لك يقول: عدل الله تعالى في قسمه هذا الشعر بيني وبينك، فأعطاني لفظه، وأعطاك معناه. وهو الحمد والثناء. فإذا مرّ بأذني حاسدٍ ... صر ممّن كان حيّا فهلك يقول: إذا سمعه من يحسدك على مجدك، ومن يحسدني على فضلي، غلب على قلبه الحسد، فأهلكه، فيهلك بسببه. ولم أنشده: أقل أنل رأى قومًا يعدون ألفاظه فزاد فيه وأنشده. أقل، أنل، أن، صن، احمل، علّ، سلّ، أعد ... زد، هش بشّ، هب، اغفر، أدن، سرّ، صل أن: أمر من الأون، وهو الرفق. وصن أمر من الصيانة، والمراد به حفظ الجاه. فرآهم يستكثرون الحروف فقال. يظهر مقدرته على جمع كلمات كثيرة في بيت واحد. عش، ابق، اسم، سد، قد، جد، مر، انه، ره، فه، اسر، نل ... غظ، ارم، صب، احم، اغز، اسب، رع، زع، ده، له، اثن، بل عش: من العيش، وابق: من البقاء، واسم: من السمو. وسد: من السيادة، وقد: من قاد الجيش، وجد: من الجود، ومر: من الأمر بالشيء، وانه: من النهي، أي لا زلت آمرًا ناهيًا. وره: من وريته أريه، وهو داء في الجوف، أي أصب اعدو بهذه الآفة. وفه: من الوفاء بالعهد، واسر: من السرية، أي جهز الجيش إلى الأعداء. وقيل: معناه الدعاء، أي لا زلت أبدًا تسري إلى أعدائك. ونل: من النيل، وهو الإدراك، أي لا زلت تدرك من أعدائك إرادتك، ويجوز نل بضم النون من نلته: أي أعطيته. وغظ: أي غظ حسادك بما يرون من إقبال دولتك وارم: من يكيدك. وصب: من صاب السهم الهدف، أي أصابه، أي لا زلت ترمي أعداءك فتصيب مقاتلهم. واحم: من حميت الرجل إذا منعته، أي احفظ حوزتك. واغز: من الغزو. واسب: من السبي أي لا زلت أبدًا تغزو الأعداء، وتسبي زراريهم. ورع: أي أفزع أعداءك، أي لا زلت كذلك. زع: أي كف شر أعدائك. ده: من وديت القتيل، إذا أعطيت ديته، أي لا زلت تحمل الدية عن القاتل لكرمك. له، من الولاية، أي لا زلت تلي الولايات. واثن: أي اصرف أضدادك عن الوصول إليك: وقيل اثن من ثنيت الفعل إذا فعل مرة بعد مرة. أي لا زلت كلما وليت ولاية ثنيتها بأخرى، وشفعتها بما هو خير منها، وبل: من الوبل. وهو المطر إذا اشتد، أي لا زلت تعطي عطاء كالوابل. وهذا البيت لم يسبقه أحد إلى مثله. ولا لحقه أحد فيه، وهو مركب من أربع وعشرين كلمة، وهي مع ذلك فصيحة، وقد قال قبله عدة من الشعراء فلم يزيدوا على عشر كلمات كقول أبو العميثل: اصدق، وعفّ، وبر، واصبر، واحتمل ... واحلم، ودار، وكاف، وانصر، واسمع والأصل قول امرئ القيس: أفاد، وجاد، وساد، وحاد وقاد، وباد، وعاد، وأفضل فقال سيف الدولة: أيمكن أكثر من هذا؟! فقال: نعم ولكن يغيظ جدًا وهذا دعاء لو سكتّ كفيته ... لأني سألت الله فيك وقد فعل أي هذا الدعاء أمر زائد، لأن كلما سألت الله فيك، قد فعله الله فيك، فلو سكت كنت كفيته.

1 / 285