معجز احمد
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
ژانرونه
بلاغت
وروى: فلما تلاقينا وتقارعنا وجهالة: نصب على أنا المفعول له.
يقول: لما رأونا ضربوا خيولهم إلينا؛ لجهلهم بنا، فلما عرفوا أمرنا ولوا عنا، يضربون خيولهم بالسياط للهرب عنا، كما كانوا يضربونها للإقبال علينا.
وقيل: معناه أنهم ظنونا عسكر الروم فأقبلوا نحونا، فلما تحققوا الأمر ولوا عنا هاربين مستحثين خيولهم.
تعدّ القرى والمس بنا الجيش لمسةً ... نبار إلى ما تشتهي يدك اليمنى
تعد: أي تجاوز. والمس بنا: أي اقصد بنا. نبار: أي نسابق أو نسبق. والتاء في تشتهي: للخطاب لسيف الدولة، فيكون يدك منصوبًا. وقيل: راجع إلى اليد، فيكون مرفوعًا.
ومعناه: تجاوز قرى الروم، وأعرض عن الإعادة، واقصد بنا جيش الروم، لكي نسبق في طاعتك، وما تشتهيه يدك اليمنى، فنكون أطوع لك منها.
وقيل: معناه أنا نكون كالرماح نسبق السيف في يدك.
فقد بردت فوق اللّقان دماؤهم ... ونحن أناسٌ نتبع البارد السّخنا
بردت: جمدت. واللقان: موضع.
يقول: إذا أردت دماء الذين قتلناهم، فاقصد بنا إليهم، لتجري دماؤهم الآن، لأنا قوم نتبع البارد. الحار.
وإن كنت سيف الدولة العضب فيهم ... فدعنا نكن قبل الضّراب القنا اللّدنا
يقول: إن كنت سيفًا قاطعًا ماضيًا في الروم، فاجعلنا أرماحًا لينة، لنسبق ضربك، أي قدمنا أولًا إلى الحرب، فنكون مثل الرماح، يبدأ بها في القتال فإذا كسرت وآل أمرها إلى الضراب، رجعت النوبة إليك؛ لأنك سيف قاطع، ومثله:
فلمّا أن توافينا قليلًا ... أنخنا للكلاكل فارتمينا
فلمّا لم ندع قوسًا وسهمًا ... مشينا نحوهم ومشوا إلينا
فنحن الألى لا نأتلي لك نصرةً ... وأنت الّذي لو أنّه وحده أغنى
الألى: بمعنى الذين. لا نأتلي: أي لا نقصر. ونصرة: نصب على التمييز. وقيل: أصله في نصرة ثم حذف حرف الجر، وأوصله إلى ما بعده فنصبه.
يقول: نحن لا نقصر في نصرتك، مع أنك لا تحتاج إلى نصرة أحد، بل في غنائك ما يكفي كل الأعداء.
يقيك الرّدى من يبتغي عندك العلا ... ومن قال: لا أرضى من العيش بالأدنى
يقول: من طلب عندك العلا صار وقاية لك، وجعله الله فداء لك، وكذلك من لا يرضى بالأدنى من العيش، وطلب أقصاه، يقيك الهلاك بنفسه، فإنه لا يدرك منا إلا بك في حياتك.
يعني: إذا كنا نطلب عندك العلو وصفو العيش، فلا بد أن نتقدمك في الحرب، ونجعل نفوسنا وقاية لك، وإن كنت تغتني عنا بنفسك.
فلولاك لم تجر الدّماء ولا اللها ... ولم يك للدّنيا ولا أهلها معنى
القياس: فلولا أنت. كقوله تعالى: " لَوْلاَ أَنْتُم لَكُنَّا مًؤْمِنين " لأن الاسم بعد لولا مبتدأ، فإذا وقع الضمير بعدها، يجب أن يكون ضمير رفع منفصل، ولكنه أقام ضمير المجرور مقام المرفوع، واللها: الدراهم والدنانير.
يقول: الدماء كلها تجري بسيفك، والعطايا تجري على يديك، وأنت معنى الدنيا وزينة أهلها، فلولا أنت لم يكن للدنيا ولا لأهلها معنى، ولم يكن شجاعة ولا جود.
وما الخوف إلا ما تخوّفه الفتى ... ولا الأمن إلاّ ما رآه الفتى أمنا
تخوفه: أي يخافه.
يقول: الخوف والأمن، ما تصوره الإنسان في نفسه، فإذا تصور في الشيء أنه مخوف خافة، وإن لم يكن مخوفًا وإذا تصور في نفسه أن الشيء مأمون أمن منه، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة، وفيه حث على قتال الروم، ومنع من الخوف منهم.
وقال أيضًا يمدحه ويذكر هذه الغزاة وأنه لم يتم له قصد خرشنة؛ بسبب الثلوج وهجوم الشتاء.
عواذل ذات الخال فيّ حواسد ... وإنّ ضجيع الخود منّي لماجد
الخال: قيل هو الخيلاء، أي ذات الخيلاء. وقيل أراد به: الخال الذي يكون في الخد، مثل الشامة وجمعة خيلان. والخود: الناعمة الحسنة الخلق. والماجد: الكثير الشرف، وكنى به عن العفيف.
يقول: إن النساء اللواتي يعذلن هذه الجارية ذات الخال في وصلها إياي لسن بعواذل في الحقيقة، وإنما هن الحواسد، يحسدونها علي، بحبي إياها. ثم استأنف وقال: إن ضجيع الخود مني لماجد أي إذا ضاجعتها عففت عنها، ولم ينلها من جهتي عار. وأراد بالضجيع نفسه وهمته ولهذا قال منى أي أن الذي يضاجعها منى ماجد عفيف.
يردّ بدًا عن ثوبها وهو قادرٌ ... ويعصى الهوى في طيفها وهو راقد
1 / 260