151

معجز احمد

اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

ژانرونه

بلاغت
وقيل: أراد أني إذا تركت أمرًا بعيدًا خوفًا من بعده؛ لانفلال عزمي دونه، فإني أركب ما هو أبعد منه، حيث لم يتقدمه عزم، من تعريض نفسي للقتل وطلب الموت. قلت: يجوز أن يكون مراده بذلك الدعاء على نفسه. يقول: إذا تركت الأمر لبعد تناوله وعسر مرامه، فأبعد الأشياء إمكانًا لم يجد عزمي. فكأنه يقول: ما وصلت أبدًا إلى مرام أصعب، على جهة الدعاء. وإني لمن قومٍ كأن نفوسنا ... بها أنفٌ أن تسكن اللحم والعظما كان القياس أن يقول: كأن نفوسهم، غير أنه يختار رد الكناية إلى الإخبار عن النفس؛ لما فيها من مبالغة المدح. يقول: إنا نختار الموت ونلتذه؛ فكأن نفوسنا تأنف أن تسكن العظم واللحم، فتحب مفارقتهما وتحرص على التخلص منهما. كذا أنا يا دنيا إذا شئت فاذهبي ... ويا نفس زيدي في كرائهها قدما يقول: كذا أنا. أي: هكذا مذهبي. وقيل: أراد أنا مثل قومي، لا أرغب في الدنيا، فمتى شئت أيها الدنيا فاذهبي، ويا نفسي ازدادي في كراهة الدنيا وشدائدها، فإني لا أبالي بالدنيا وحياتها، وخيالاتها. فلا عبرت بي ساعةٌ لا تغرني ... ولا صحبتني مهجةٌ تقبل الظلما روى: غبرت وعبرت. أي مضت. يعني إنما أريد الحياة للعز، فكل ساعة لا أكسب فيها عزًا أماتني الله قبلها، ولا صاحبت نفسي محتملةً للظلم، وفرق الله بيني وبينها. وجعل قومٌ يستعظمون ما قال في آخر هذه القصيدة فقال يستكثرون أبياتًا نأمت بها ... لا تحسدن على أن ينئم الأسدا نأم ينأم: أي صوت. والنئيم: الصوت والأبيات: تصغير الأبيات. وأراد بتصغيرها أنها صغيرة إلى جنب فعله. ونصب الأسد بتحسدن أي لا تحسدون الأسد. وأن مع الفعل: بمعنى المصدر. أي على نئيمه. يقول: إنهم استعظموا هذه الأبيات، وفعالي أعظم منها، فأنا الأسد، والأسد لا يحسد على زئيره؛ لأن فعله أعظم من صوته، فلا ينبغي أن تحسدوني على ذلك. لو أن ثم قلوبًا يعقلون بها ... أنساهم الذعر مما تحتها الحسدا الهاء في تحتها: للأبيات، وفي بها: للقلوب. يعني: لو كان لهم قلوب فيها عقول لأنساهم ما تضمنته أبياتي من الذعر والحسد الذي هم عليه. وقال يمدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله بن الحسن الأنطاكي لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أواهل أواهل: جمع آهلة، أي عامرة. يقول: يا منازل أحبائي، لك منازل في قلبي، أنت نازلة فيها. أي: إني أذكرك وأذكر أهلك، وقد أقفرت أنت عن أهلك النازلين بك. وقوله هن أي المنازل التي في قلبي عامرة بذكرك وذكر أهلك. يعلمن ذاك وما علمت، وإنما ... أولاكما يبكي عليه العاقل يعلمن: أي المنازل التي في القلب. والهاء في عليه للأولى. يقول: منازلك في قلبي عالمةٌ بأنك قد أقفرت، وأنت لا تعلمين ذلك، فلما علمت أنك قد أقفرت، وتألمت، وحزنت، وهي عاقلة. فكانت هي أولى بأن يبكى عليه منك؛ لأنك غير عاقلة. وقيل: أراد أنها تعلم ما يصيبها من ألم الشوق وأنواع الهم، وأنت الجاهلة بذلك فهي أولى بالبكاء. وقيل: معناه أنها عالمة بنزولك فيها، وأنت جماد لا تعلمين من نزل فيك، فالعاقل منكما وهو قلبي أولى بأن يبكى عليه؛ لنزولك فيه. وأنا الذي اجتلب المنية طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل؟! يقول: طرفي جلب إلي هلاكي! فمن أطالب بدمي؟ والمقتول هو القاتل! لأن بعضي قتل بعضي. ومثله قول الآخر: أذت نارًا بيدي أشعلتها في كبدي وأحسن من ذلك قول ابن المعتز: كنت صباحي قرير عيني ... فصرت أمسي صريع بيني تخلو الديار من الظباء وعنده ... من كل تابعةٍ خيالٌ خاذل التابعة: الغزالة التي تتبع أمها. والخاذل: المتأخرة عن القطيع في المرعى، والمختشية على خشفها. والهاء في قوله: وعنده راجع إلى الذي في قوله: وأنا الذي اجتلب وأراد نفسه. يقول: تخلو الديار من أهلها الذين هم كالظباء وعند نفسي من كل كالغزالة التابعة للظبية، خيال متأخر عنهن، كالظبية الخاذل. وقال ابن جنى: أراد بقوله: من كل تابع أي من كل جارية تابعة لأقاربها؛ لصغر سنها كما تتبع الغزال أمها. اللائي أفتكها الجبان، بمهجتي ... وأحبها قربًا إلي الباخل

1 / 151