مُرَادهم مِنْهَا إِلَّا من بلغ قصدهم أَو شارفه، وَرب كلمة لم يتَجَاوَز فهم اللّغَوِيّ عَن حَقِيقَتهَا، وَلم يعرف متصرفات الأقوام فِي طريقتها؛ فَإِن لَفْظَة (الْوَاجِب) مثلا عِنْد الْفَقِيه غير مَا عِنْد الأصولي، وَلَفْظَة (السَّنَد) عِنْد الْمُحدث غير مَا عِنْد الجدلي، وَكَذَا (الْحَال) عِنْد النَّحْوِيّ غير مَا عِنْد الصُّوفِي، و(الوتد) عِنْد المنجم غير مَا عِنْد الْعَرُوضِي، و(الرّجْعَة) فِي عرف الْفِقْه غير مَا فِي عرف الْمُتَكَلّم، وَفِي عرف (٢ / ب) الْكتاب غير مَا فِي عرف المنجم، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا سنقف عَلَيْهِ فِي كل بَاب من أَبْوَاب هَذَا الْكتاب؛ إِذْ لَا مشاحة فِي الاصطلاحات، وَلَا خُصُومَة فِي الشَّهَوَات. هَذَا، وَكم من طَالب متفنن قد برز على أقرانه، وافتخر بنباهته وعلو شانه، ثمَّ إِذا سُئِلَ فِي بعض المباحث عَن تَعْرِيف مس إِلَيْهِ الِاحْتِيَاج، زَالَ عَنهُ الطلاقة والإلهاج، وَآل أَمر ذلاقته إِلَى الارتجاج، فَوَقع فِي دَاء عضال، وَحج عَلَيْهِ الْخصم عِنْد الْجِدَال، واعتراه ضبب، وعراه حمرَة الخجل، وصفرة الوجل، فَمثله كالعامل الجائر بَعْدَمَا عزل، وَمَا أحسن قَول الشَّاعِر فِي الزَّمن الغابر: بَيت:
(من تحلى بِغَيْر مَا هُوَ فِيهِ ... فضحته شَوَاهِد الامتحان)
ثمَّ إِن كتابي هَذَا المترجم " بمقاليد الْعُلُوم فِي الْحُدُود والرسوم " جَامع لمصطلحات أَكثر الْفُنُون، حاو لمقدمات الْأَقْسَام على مَا أدَّت إِلَيْهِ الظنون، كَفِيل أَن يكون لكل فن مدخلًا كَافِيا، حقيق أَن يعده الْمُبْتَدِئ ذخْرا وافيا، وَقد كنت أكتبه أشتاتا فِي أَوَائِل الشَّبَاب حِين مدارسة الْعُلُوم والآداب، والاندراج فِي زمرة الطلاب، واصطكاك الركب لاختيار النخب من أَيدي الأساتذة النحارير، وَالْأَئِمَّة الْأَعْلَام الْمَشَاهِير، رحم الله الماضين، وأدام عمر البَاقِينَ، فَمِنْهَا مَا لقفت عَن فلق أَفْوَاههم بَين حلق الْمدَارِس،
1 / 30