معاویه بن ابی سفیان

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
61

معاویه بن ابی سفیان

معاوية بن أبي سفيان

ژانرونه

فابن عبد ربه ينقل لنا أن الأحنف سئل: من أحلم ... أنت أم معاوية؟ فقال: تالله ما رأيت أجهل منكم، إن معاوية يقدر فيحلم وأنا أحلم ولا أقدر، فكيف أقاس عليه أو أدانيه؟

فإذا سمع السامع المتعجل هذا فحري أن يتقرر لديه رجحان معاوية في الحلم بشهادة الرجل الذي يضرب به المثل في حلمه، وأي شهادة عسى أن تكون أصدق من هذه الشهادة؟!

وما هي إلا معاودة لحظة في السؤال والجواب حتى يتقرر على خلاف ما تقدم أن السؤال كان لا يحتمل جوابا غير ذلك الجواب، لو أنه سؤال ما كان ينبغي أن يتوجه للأحنف، ويترقب سائله أن يقول له: بل أنا أحلم من معاوية! ... وقد كان الأحنف خاصة يرى من عرف الحلم أن يستصغره، وأن يقول عن نفسه كما نقل صاحب العقد قبل ذلك بسطر واحد: لست حليما ولكنني أتحالم. •••

ولو أن الأحنف قال برأيه ذاك اعتقادا ولم يقل به تواضعا أو تحالما؛ لكان على خطأ لا يخفى عند النظرة اليسيرة في أسباب تفضيله معاوية على نفسه ... فما هي القدرة التي كانت مطلوبة من الأحنف في مقامه؟ لقد كان يكفيه أن يقدر على كلمة لا يعجز عنها أحد، وكان يكفيه أن يمسك تلك الكلمة فيكون أقوى الناس على نفسه كما وصفه خالد بن صفوان، وأما الملوك فالمطلوب منهم أعمال لا يقدرون عليها في كل وقت ولا مع كل أحد، إلا أن يكون المقصود بالقدرة طياشة جامحة تخبط ما تشاء بغير مبالاة، وليس قصارى الحليم أنه غير الطياش وغير الخابط الذي لا ينظر إلى عقباه.

ويوزن الراوي في روايته هذه، فلا نجهل موقع الهوى فيما يشاع عن حلم معاوية، ويسر انتقال الإشاعة من قائل إلى قائل ومن ناقل إلى ناقل، فما في هوى الأندلسيين لبني أمية من خفاء ودولتهم الأولى أموية في أساسها. وابن عبد ربه نفسه حفيد لسالم القرطبي مولى هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وأقل ما يقال في نقل ابن عبد ربه لكلمة الأحنف أنها تزكية لرأس الدولة الأموية رحب بها ووافقت هواه.

ونعود إلى تاريخ معاوية فيما قاله وفيما سكت عن قوله منذ نشأته الأولى، فلا نجد فيه أثرا واحدا لطبيعة الغضب التي تمتحن بها فضيلة الحلم كما امتحنت في نفس الرجل الحزين في صدمة الثكل، وهو المقتحم المغوار في الجاهلية والإسلام.

ونخال أن التاريخ لم يحفظ لنا غير حادث واحد يفتح لنا مغاليق هذه الخليقة في طوية الرجل، فإنها في الحق لغز لا يكفي لحله مجرد القول بالحلم أو الغضب المكبوت أو بطول الأناة، وإنما يحله علم النفس الحديث على النحو الوحيد الذي يعطينا منه معنى مفهوما على وجه من الوجوه ...

ذلك الحادث هو مقتل حجر بن عدي وأصحابه لغير ضرورة عاجلة، ولا مصلحة آجلة، فما كان له من خطب غير أنه واحد من أولئك الذين قال فيهم معاوية: إنه لا يحول بينهم وبين ألسنتهم؛ لأنهم لا يحولون بين بني أمية وملكهم، فإن كان لا بد من إسكاته فقد يسكته أن يحملوه إلى مكان لا يلقى فيه من يستمع إليه. •••

قال ابن الأثير بعد أقاويل شتى: «إن زيادا خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر بن عدي: الصلاة! ... فمضى في خطبته ... فقال: الصلاة! ... فمضى في خطبته ... فلما خشي حجر بن عدي فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من حصى، وقام إلى الصلاة، وقام الناس معه، فلما رأى زياد ذلك نزل فصلى بالناس، وكتب إلى معاوية وكثر عليه، فكتب إليه معاوية ليشده بالحديد ويرسل إليه، فلما أراد أخذه قام قومه ليمنعوه، فقال حجر: لا، ولكن سمعا وطاعة ، فشد في الحديد وحمل إلى معاوية، فلما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال معاوية: أأمير المؤمنين أنا؟ ... والله لا أقيلك

32

ناپیژندل شوی مخ