استشيروا، وأَقلوا الخلاف على أمرائكم، وإياكم وكثرة الصياح في الحرب، فإن كثرة الصياح من الفشل، وكونوا جميعا فإن الجميع غالب، والمرء يجز لا محالة، تثبتوا ولا تسارعوا، فإن أَحزم الفريقين أَركنهما، ورب عجلة تهب ريثا، وتنَّمروا للحرب، واّرعوا الليل، واتخذوه جملا، فإن الليل أَخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.
قال: وغزا أكثم، فأسر الأَقياس ونهيكا، وأخذ أهليهم وأموالهم، فقال لبني أخيه، وهم ثلاثة، الكلب، والذئب، والسَّبع بنو بني عامر، وعامر أخو أكثم؛ وكان أكبرهم الكلب وكان شرهم، فدفع الأقياس ونهيكا وأهليهم إلى الكلب. ووضع الأموال على يدي الذئب، وقال: إذا أطلقتهم فادفع إليهم أموالهم وردوها عليهم.
فانطلق الكلب إلى الذئب فأخبره أنه قد أطلقهم، فأكل منا، فبلغ أكثم، فقال: نعم كلب في بؤس أهله، ومن استرعى الذئب ظلم، لا ترجعن عن خير هممت به، إنك لن تخبأَ للهر إلا سالكه.
قال، وقال أبو زيد: ما تخبأ للدهر يسلكه وربما أعلم فأَدعُ.
تشجُّ بيد وتأسو بأخرى، ودَّك من أَعتبك، وحسبتك من شرّ سماعه، لا تكلف الهول فإن العاشية تهيج الآبية ولا فقر منَّا يهدي غمام أَرضنا، ليس الحلم عن قدم، وكن كالسَّمن لا يخمُّ.
قال الكلب: وما أنا برادِّها حتى يمدحوني.
فقال قيس بن نوفل:
أَنت السَّدى وابن النَّدى إِن رددتها ... وجدُّكَ صيفى وخالك أَكثمُ
فقال: كفى بهذا عارا ينسب الرجل إلى أمه، فرجع إلى فخده قالوا: وجمع أكثم قومه، وسار حتى انتهى إليهم، فقال: يا حامل، اذكر حلا.
فقال أبو حاتم: أَلمثلك يا عاقد أذكر حلا؟ حسبُك ما بلَّغك المحَّلا، ربُ أَكلة تمنع أَكلات، وربما ضام قبل أن يسام، وإنما اتخذت الغم من حذر العاريَّة، ولو لذا عويت لم أَعوِ.
قال: فحلف عليه السبع، ليردَّنها، وليطلقَّنها، ثم لا يقيم ببلد عليه فيها.
فشخصا، وأتى الذئب أ، يتبعهما.
وقال أكثم: يا بنّي، لا حكمة، ولا تكونوا كالكلب، أحبَّ أهله إليه الظاعن، أرى الكيس نصف العيش، ولا تعنفوا طلبا لرزقة، ولا دواء لمن لا حياء له، وفي كل صباح صبوح، واذلل للحق تعزز، ولا تجر فيما لا تدري، وفي الاختبار، وكل ما يذل يحمد، وإنما يمسك من استمسك، وكاد ذو الغربة يكون في كربة، والمنيّة تأتي على البقية، واستر سوءة لما تعرف فيك، والذئب مغبوط بذي بطنه.
قالوا: وكتبت جهينة ومزينة وأَسلم وخزاعة إلى أكثم، أن أحدث إلينا أمرا نأخذ به، فكتب إليهم: لا تفرقوا في القبائل فإن الغريب بكل مكان مظلوم، عاقدوا الثَّروة، وإياكم والوشائظ " قال أبو حاتم، وهم الحشو من الناس " فإن الذلَّة مع القلَّة، جازوا أخلاقكم بالبذل والنَّجدة، إن العارية لو سُئلت، أين تذهبين؟ لقالت، أبغي أهلي ذما، مت يتبّع كل عورة يجدها، والرسول مبلِّغ غير ملوم، من فسدت بطانته كان كمن غصّ بالماء، ولو بغيره غصّ أجارته غصَّته، أشراف القوم كالمُخِّ من الدابة فإنما تنوء الدابة بمخَّها، وأشد القوم مئونة أشرافهم، وهم كحاقن الإهالة، من أساء سمعا أساء إجابه، والدّال على الخير كفاعله، والجزاء بالجزاء والبادئ أظلم، والشَّر يبدوه صغاه، وأهون السَّقي التَّشريع.
قالوا: والشَّر يبدوه صغاره، وأهون السَّقي التَّشريع.
قالوا: تنافر القعقاع، وخالد بن مالك بن سلم النهشلي إلى أكثم بن صيفى، أيهما أقرب إلى المجد والسؤدد، فقال: سفيهان يريدان الشر، ارجعا فإن أبيتم فإني لست مفضِّلا أحدا من قومي على أحد، كلَّهم إلى الشرع سواء.
وخلا بكل واحد منهما يسأله الرجوع عما جاء له.
فلما أبيا بعث معهما رجلا إلى ربيعة بن حذار الأسدي، وحبس عنده إبلهما، وكان تنافرا مائة لمائة، فقال: انطلقا مع رسولي هذا، فإنه قتلت أرض جاهلها، وقتل أرضا عالمها، الرفق حسن الأناة ومواتاة الأولياء، واللوم منع السَّداد وذَّم الجواد، والدِّقَّة منع السير، وطلب الحقير، والخرق طلب القليل وإضاعة الكثير، صادق صديقك هونا ما عسى أن يكون عدوَّك يوما ما، وعاد عدوَّك هونا ما عسى أن يكون صديقك يوما.
قال: فنفر ربيعة القعقاع على خالد، وقال: ما جعل العبد كربِّه.
فرجع خالد مغضبا، فإذا هو براع لبني أسد، فسأله، فأخبره الخبر، فقال الراعي: الحق بأكثم فإن أخذت الإبل وإلا فقد هلكت.
1 / 5