قالوا: وأوصى جابر بن مالك الكلبي بنيه وقومه، فقال: " يا معشر العمائر المنتظرة للفناء والمنقطعة من الأصل، أوصيكم برهبة الله، وصلة الرحم، والفظ للعهد، والمباعدة لأهل الغدر وأهل الذكر للمعاير، وعليكم باحياء المناقب، وقد ترون المنايا تتبعها الرزايا، ولا تواكلوا النصر فتنكبوا، ولا تخاذلوا فتذلّوا، واجهدوا أبدانكم اليوم لراحتّها غدا، ولا تكنوها بالدَّعة فتحسر عند الاجتهاد، ولا تختلفوا فبخسِّر كيدكم، واحجبوا الكرائم، وتجنبوا الملاوم، وكلُّ ما يعتذر منه خطيئئة، ولتطب أنفسكم عن الدنيا، وبالصبر تدفع العظائم، ليحيكم المديل للأمم ".
قالوا: وأوصى هبيرة بن صخر الكلبيّ، ثم الغامديّ، فقال: " يا بنيّ ويا عشيرتاه، أوصيكم بتقوى الله والصبر على المضض، ففيه الفوز، لا فوز القسيّ، حافظوا على الحرم، فإن الهلاك في الغفلة عنها، والفشل في التخاذل، غيظوا العدو بإظهار السرور وإبداع الأمور، واذكروا المجامع والمواسم يأمن سربكم، فإن المحافظة أمن، وإنما المعسكر لمن صبر، وليحيّكم ربكم ".
قالوا: وأوصى الأحوص الكلبي ثم من بني عبدودٍّ، فقال: " يا عشيرتاه، إن الرأي الرأي اليوم، أوصيكم بشكر ذي النعمة، والغيرة على الحرم، والتمسك بالحسب، ولا ترضوا بالدنّية، ففيها البليّة وضياع العلم، وذهاب المهج، الموت في الغدر خير من الحياة في القسر، والفرج مع الصبر، وليحيِّكم ربكم.
قالوا: وأوصى عمرو بن يزيد الكلبيّ بنيه، فقال: " أوصيكم بتقوى الله، وبرّ الرحم، والحفظ للعيال، والإحراز للحرم، ولا تحاسدوا فتذلّوا، ولا تواكلوا فتفشلوا، تعاطفوا يصلب عودكم، وتقاربوا، وتحابّوا يظهر حزمكم، وأقلّوا المنطق ترهبوا، وتساخوا الفعال، وأميتوا الضغائن تحمدوا العواقب، واستعينوا على محاربة عدوكم بذكر المعاير، والهرب منها كرم، والتخوف لها جهاد، أزيلوا عنكم نيّة البغي، وألزوما قلوبكم الإنصاف وعزيمة العفو تنصروا، ولتكن أعلامكم ذوي الرأس منكم، وأنزلوهم منزلة الآباء في التقليد والإنفاذ لأمرهم، فإن أعظم مصائب القوم خلاف الشَّفيق المصيب، وطاعة المصيب ظفر، واتباعه يمن، وإذا حاربتم قوما فأطيلوا مواقفتهم، وتأمّلوا فيهم الفرصة، وإن أمكنكم البيات ففيه الظفر بعدوكم، وإن منحوكم أكتافهم فوسِّعوا عليهم المسرب، ونهنهوا عن لجم المذاكي، وعند تلك فأحبوا فراقهم، فإن العافية لمن اعتصم بها، ليرعكم ربُّكم ".
قالوا: وأوصى زهير بن جناب فقال: " يا بنيّ، قد كبرت سنِّي، وبلغت حرسا " يعني دهرا من عمري " وأحكمتني التجارب، والأمور تجربة واختبار، فاحفظوا عني ما أقول، وعوه، إياكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإن ذلك داعية للغمّ، وشماتة لعدو، وسوء الظنّ بالربّ، وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترّين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنه والله ما سخر امرؤ قط إلا ابتلى، ولكن استعفوا منها، وتوقّعوها؛ فإنما الإنسان في الدنيا غرض، تعاوره الرماة، فمقصّر دونه، ومجاوز لموضعه، وواقع عن يمينه وشماله، ثم لابدّ أنه مصيبه ".
قالوا: وأوصى رياح بن ربيعة بنيه عند موته فقال: " يا بنيّ، سوِّدوا أعقلكم، فإن أمير القوم إذا لم يكن عاقلا كان آفة لمن دونه، وجودوا على قومكم، وإياكم والبخل، فإنه داء، ونعم الدواء السخاء، والتغافل فعل الكرام، والصمت جماع الحلم، والصدق في بعض المواطن عجز، واستعينوا على من لا تقوون عليه بالجموع، واعلموا أن سيِّد القوم أشقاهم، وإياكم والمنّ، فإنه مهدمة للصنيعة ".
قالوا: وأوصى الأفوه الأوديّ فقال:
1 / 40