قال أبو حاتم، وكان الأصمعي يزعم في القصيدة لأَنس بن زنيم.
" قال أبو روق: غلط أبو حاتم، إنما كان الأصمعي يقول، القصيدة لصِرمة ابن أنس الأنصاري ".
وأنس بن زنيم كان على عهد زياد وابنه.
قال أبو حاتم، قال بعد ذلك:
أَلا ليت شعري، هل يرى النَّاس ما أرى ... من الأمر، أَو يبدو لهم ما بدا ليا
بد لي أَنِّي عشت تسعين حجَّة ... وعشرا وتسعا بعدها وثمانيا
فلم أَلفها لمَّا مضت وعددتها ... بحسبتها في الدَّهر إلاَّ ليليا
وقال: وعاش ثوب بن تُلدة الأسدى، من بني والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة عشرين ومائتي سنة، وأدرك معاوية بن أبي سفيان، وقال:
وإنَّ امرءٍ قد عاش عشرين حجَّة ... إلى مائتين، كُلَّها، هو دائب
لرهن لأحداث المنايا وإنَّما ... يلهيِّه في الدنيا مناه الكواذبُ
حدثنا أبو حاتم عن الكلبي قال: قال ابن الكلبي: سمعت أبي يقول، أدرك ثوب بن تلدة معاوية، فدخل عليه، فقال: - ما أدركت؟ وكم عمرك؟ قال: لا أدري، إلا أدركت بني والبة ثلاث مرات - يريد أفنيت ثلاثة قرون -.
قال: فكيف بصرك اليوم؟ قال: أحدُّ ما كان قطُّ، كنت أرى الشخص واحدا فأنا أراه اليوم شخصين.
قال: فكيف مشيك؟ قال: أَمشي ما كنت قط، كنت أمشى تيدا، فأنا اليوم أُهرول هرولة.
فقال: أدركت أمية بن عبد شمس؟ قال: نعم، وهو أمي يقوده عبد له، يقال له " ذكوان ".
فقال له معاوية: كفّ، فقد جاء غير ما رأيت يا ثوب.
ثم قال معاوية: ليس في البيت إلا أُمويّ، فانظر، أي هؤلاء أشبه بأمية.
فنظر، ثم قال: هذا، لعمرو بن سعيد بن العاص، وهو عمرو الأشدق.
قال أبو حاتم، قال العتبيّ، قيل له، الأشدق، لأنه كان خطيبا مفلقا.
قالوا: وعاش أُمية بن الأسكر من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة دهرا طويلا، وأدرك الإسلام فأسلم، وأسلم ابن له، يقال له " كلاب " وهاجر إلى المدينة، فخرج في لعث إلى العراق.
فلما بلغ ذلك أباه أمية أنشأ يقول:
لمن شيخان قد نشدا كلابا ... كتاب الله لو ذكر الكتابا
أناشده ويعرض إلى إباء ... فلا وأبي كلاب ما أَصابا
إِذا هتفت حمامة بطن وجٍ ... إلى بيضاتها ذكرا كلابا
أَتاه مهاجران تكنَّفاه ... بترك كبيرة خطئا وخابا
تركت أباك مرعشة يداه ... وأُمَّك ما تسيغ لها شرابا
تُمسِّح مهده شفقا عليه ... وتجنبه أَباعرنا الضَّعابا
فإنَّك وابتغاء الأجر بعدي ... كباغي الماء يتَّبع السَّرايا
قال ومربَّعة كلاب منسوبة إليه، كان نزلها حين قدم البصرة.
وقال أيضا أمية:
أَعاذل قد عذلت بغير علم ... وما يدريك ويحك ما ألاقي
فإمَّا كنت عاذلتني فردِّى ... كلابا إِذ توجَّه للعراق
سأَستدعي على الفاروق ربا ... له، رفع الحجيج إلى بساق
إِن الفاروق لم يردد كلابا ... على شيخين هامُهما زواق
فلو فلق الفؤاد حماط وجد ... لهمَّ سواد قلبي بانفلاق
فلما بلغ عمر كبره وشوقه كتب إلى سعد بن أبي وقاص بالكوفة، يأمره بإقفال كلاب بن أُميّة إليه بالمدينة.
فلما قدم عليه قال لأبيه أميَّة: أي شيء أحب إليك؟ قال: النظر إلى ابني كلاب.
فدعاه.
فلما رآه قام إليه فاعتنقه، وبكى بكاء شديدا، وبكى عمر رقة لها؛ ثم قال: " يا كلابُ، الزم أباك وأمك، ولا تؤثرون عليهما شيئا ما بقيا.
قالوا: وعاش قس بن ساعدة بن حذافة بن زفر، وقيل حذافة بن زهر بن إياد بن نزار ثلاثمائة وثمانين سنة، وقد أدرك نبيَّنا ﵇، وسمع النبي صلى اله عليه وسلم حكمته؛ وهو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكَّأَ على عصا، وأول من قال، أما بعد؛ وكان من حكماء العرب.
وهو أول من كتب من فلان إلى فلان، وأول من قال في كتابه، أما بعد. زعمت العرب أنه سبط من أَسباطها.
وأَحكم من قُسَ وأَجرأَ ملَّذى ... بذي الغيل من خفَّان أَصبح حاردا
وقال الحطيئة:
1 / 27