فَهَلَكَتْ، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَكْثَر أَهْل السِّيَر وَالْأَخْبَار: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَة عُثْمَان بْن عَفَّان ﵁ وَأَنَّ فِيهَا رَكِبَتْ أُمّ حَرَام وَزَوْجهَا إِلَى قُبْرُص فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتهَا هُنَاكَ، فَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ، وَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله: (فِي زَمَان مُعَاوِيَة) مَعْنَاهُ: فِي زَمَان غَزْوِهِ فِي الْبَحْر لَا فِي أَيَّام خِلَافَته، قَالَ: وَقِيلَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَته، قَالَ: وَهُوَ أَظْهَر فِي دَلَالَة قَوْله فِي زَمَانه».
وقال الحافظ ابن حجر ﵀ (١): «قَوْله (مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّة) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: «أَرَادَ - وَاَللهُ أَعْلَم - أَنَّهُ رَأَى الْغُزَاة فِي الْبَحْر مِنْ أُمَّته مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّة فِي الْجَنَّة، وَرُؤْيَاهُ وَحْي، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي صِفَة أَهْل الْجَنَّة: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ وَقَالَ: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ وَالْأَرَائِك: السُّرَر فِي الْحِجَال (٢).
وَقَالَ عِيَاض: «هَذَا مُحْتَمَل، وَيُحْتَمَل أَيْضًا أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ حَالهمْ فِي الْغَزْو مِنْ سَعَة أَحْوَالهمْ وَقِوَام أَمْرهمْ وَكَثْرَة عَدَدهمْ وَجَوْدَة عَدَدهمْ فَكَأَنَّهُمْ الْمُلُوك عَلَى الْأَسِرَّة».
قُلْتُ (أي الحافظ ابن حجر): «وَفِي هَذَا الِاحْتِمَال بُعْد، وَالْأَوَّل أَظْهَر لَكِنَّ الْإِتْيَان بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَم طُرُقه يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْرهمْ، لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَة، أَوْ مَوْقِع التَّشْبِيه أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ مِنْ النَّعِيم الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادهمْ مِثْل مُلُوك الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتهمْ، وَالتَّشْبِيه بِالْمَحْسُوسَاتِ أَبْلَغ فِي نَفْس السَّامِع».اهـ.
فإذا تبيَّن هذا الفضلُ العظيم، كان معاوية ﵁ مِن أولى الناس به، إذ أنه أميرُ تلك الغزاة بالاتفاق.
وقد قال ابنُ عبد البر عن هذا الحديث: «وفيه فضلٌ لمعاوية ﵀، إذ جَعَلَ مَن غَزا تحتَ رايَتِه مِن الأوَّلين» (٣).