کتاب المؤثرات ومفتاح المشکلات
كتاب المؤثرات ومفتاح المشكلات
ژانرونه
اعلم أن الفاعل يتميز عن غيره من المؤثرات بكونه مؤثرا على طريق الصحة والاختيار. ومعنى ذلك أنه يجوز تراخي وجوب تأثيره عن جوازه وصحته بل يجب تراخي ذلك فيمكنه أن يفعل وأن لا يفعل ولا يجب عند إمكان أن يفعل كونه فاعلا ومؤثرا لا محالة. والمؤثرات على طريق الإيجاب إنما تتميز من المؤثر على طريق الصحة والاختيار بكونها مؤثرة على طريق الإيجاب، ومعنى ذلك أنه لا يجوز تراخي وجوب تأثيرها عن جوازه وصحته بل متى صح تأثيرها وجب ومتى لم يجب استحال. فأما العلة فإنما تتميز من السبب من حيث أن العلة لا يجوز أن توجد بدون معلولها من حيث هي توجبه لما هي عليه في ذاتها، وما هي عليه في ذاتها ثابت في جميع أحوال الوجود، والسبب يجوز وجوده بدون وجود مسببه عند بعض الموانع ومن حيث أنها توجب الصفة وهو يوجب الذات. واعلم أن السبب وإن صح وجوده بدون وجود مسببه فإنه يفارق المؤثر على سبيل الصحة والاختيار من وجهين، أحدهما أنه لا يصح وجوده دون مسببه إلا لمانع والفاعل يصح وجوده دون فعله وإن لم يكن هناك مانع، والثاني أن السبب متى لم يجب حصول مسببه استحال حصوله لأنه مؤثر على طريق الإيجاب فمتى صح تأثيره وجب ومتى لم يجب استحال. والمانع هو الذي يزول عنده وجوب تأثيره وصحته ومتى زال المانع صح تأثيره ووجب. وليس كذلك الفاعل فإنه قد يثبت إمكان تأثيره وصحته وإن لم يجب في حال صحته تأثيره.
والفرق بين المقتضي وبين ما تقدم هو أن المقتضي ليس بذات بل هو صفة فيفارق الفاعل والعلة والسبب فإنها ذوات. ويفارق من وجه آخر وهو أن المقتضي يؤثر في صحة المقتضى وفي وجوبه فيفارق العلة فإنها تؤثر في وجوب المعلول دون صحته، وهو وإن شارك الفاعل في أن كون الفاعل قادرا هو المؤثر في صحة المقدور ووجوبه كما أن المقتضي يؤثر في صحة المقتضى ووجوبه، فهو يفارقه من وجه آخر وهو أن الفاعل يجب تراخي وجوب تأثيره عن صحته وإمكانه والمقتضي لا يجوز تراخي وجوب تأثيره عن صحته وإمكانه بل متى صح تأثيره وجب ومتى لم يجب استحال. ولهذا فإن كون الجوهر متحيزا لما لم يجب في حال عدمه استحال ومتى صح في حال وجوده وجب. ويفارق العلة من وجه آخر وهو أن المقتضي قد يثبت ولا يثبت تصحيحه للمقتضى ولا إيجابه له لعدم الشرط في تصحيحه وإيجابه له، والعلة ليست كذلك فإنه لا يجوز ثبوتها بدون تأثيرها ولا أن يقف تأثيرها على شرط يثبت وجودها بدونه.
والفرق بين الشرط وبين سائر ما تقدم أن الشرط لا تأثير له سوى في تصحيح الأحكام والصفات دون إيجابها ، فيفارق بذلك جميع ما تقدم.
والفرق بين الداعي وبين ما تقدم هو أن الداعي لا تأثير له في وجوب وجود الفعل الذي يفيد استحالة خلافه ولا في صحته وإمكانه. بل إنما يستمر عنده وقوع الأفعال والتصرفات عند سلامة الحال فيقع الفعل بحسب الداعي وينتفي بحسب الصارف ويستمر ذلك فيه على وتيرة مستمرة <عند السلامة>. فهذه طريقة القول في تمييز بعضها من بعض.
(٤) باب فيما يختص به كل واحد منها من التأثير
اعلم أن هذه المؤثرات منها ما يكون تأثيره في التصحيح والإيجاب معا ومنها ما يكون تأثيره في الإيجاب دون التصحيح ومنها ما يكون تأثيره في التصحيح دون الإيجاب ومنها ما يكون تأثيره في الاستمرار على وتيرة واحدة وطريقة مستمرة. أما ما يكون تأثيره في التصحيح والإيجاب معا فثلاثة، الفاعل والمقتضي والسبب. وبيان أنها ثلاثة أن ما يؤثر في التصحيح والإيجاب لا يخلو إما أن يجوز تراخي إيجابه عن تصحيحه أو لا يجوز ذلك فيه. فإن جاز ذلك فيه فهو الفاعل. وإن لم يجز ذلك فيه فلا يخلو إما أن يكون له تأثير في وجود الذات أو لا يكون له تأثير في ذلك بل إنما تأثيره في أمر زائد على الوجود فالأول السبب والثاني المقتضي.
[الكلام في النوع الأول]
والكلام في هذا النوع من المؤثرات يقع في موضعين، أحدهما في أنها مؤثرة في التصحيح والإيجاب معا، والثاني في أن الفاعل يجب تقدم تصحيحه على إيجابه وأن المقتضي والسبب بخلافه.
[الكلام في الفصل الأول]
فأما الكلام في الفصل الأول فالذي يدل على أن الفاعل مؤثر في صحة فعله ووقوعه فلأن الفاعل إنما صح منه فعله ووقع من جهته لكونه قادرا عليه. إذ لو لم يكن قادرا عليه بل كان عاجزا عنه لما صح منه وقوعه لما نعلمه من أن الحيين في الشاهد إذا حاول أحدهما حمل ثقيل صح منه ووقع ومتى حاول ذلك الآخر تعذر عليه، فإنه يجب أن يكون بين من صح ذلك منه ومن تعذر ذلك عليه مفارقة وله عليه مزية. إذ لو لم يكن بينهما مفارقة ولا لأحدهما على الآخر مزية لما كان أحدهما بصحة الفعل أو تعذره أولى من الآخر لأنهما حينئذ مشتركان في جميع الوجوه من حيث هما جسمان وحيان إلى غير ذلك ولم يختص أحدهما بصفة دون الآخر. فيجب إذن أن يختص من صح ذلك منه بصفة لم يشاركه فيها من تعذر عليه وهي أنه قادر على الحمل دون الآخر. فإذا كانت صحة الفعل تثبت بثبوت كونه قادرا وتزول بزواله عرفنا أنه المؤثر فيها دون غيره. وكذلك فوقوع الفعل يجب أن يكون المؤثر فيه كونه قادرا دون أن يكون المؤثر فيه الإرادة وما يتصل بها من الدواعي لما نعلمه من أن الساهي والنائم تقع منهما الأفعال من دون داع ولا إرادة، فعرفنا حينئذ أن المؤثر في صحة الفعل ووقوعه هو كونه قادرا لأن سائر صفات الحي لا تأثير لها في ذلك لأن كونه حيا مما لا يتعلق بالغير ولأنه قد يكون حيا ولا يصح منه الفعل كما ذكرنا من قبل، وكونه معتقدا وظانا يرجعان إلى الدواعي، وقد بينا أنه لا تأثير لها في ذلك، وكذلك كونه مريدا. وأما كونه كارها فإن منع من وقوع الفعل وإلا لم يجز أن يؤثر فيه. وكونه متفكرا لا تأثير له في ذلك لصحة الأفعال ووقوعها من القديم مع استحالة التفكر عليه. وكونه مشتهيا ونافرا لا يؤثران في ذلك لما نعلمه من أن القديم جل وعز تصح منه الأفعال وإن استحال كونه مشتهيا ونافرا، ولأن كونه مشتهيا ونافرا يتعلقان بالمدركات فقط وأكثر الأفعال ليست بمدركة. وكذلك الكلام في كونه مدركا في أنه لا تأثير له في وقوع الأفعال وصحتها لأن كونه مدركا لا يتعلق إلا بالمدركات وأكثر الأفعال يستحيل إدراكه، ولأن كونه مدركا واقف على وجود المدرك، فكيف يقف وجود الفعل المدرك عليه؟ ولأن الحيين يشتركان في كونهما مدركين ويتفاوتان في صحة الأفعال ووقوعها. فصح إذا أن الفاعل إنما أثر في صحة الفعل ووقوعه لكونه قادرا عليه.
ناپیژندل شوی مخ