مؤسس مصر حديثه
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
ژانرونه
أما المزايا الأدبية، فقد كان يعرف أنها مما لا يدركه الإنسان إلا تدريجيا؛ لذلك لم يكن الباشا مستعجلا لحكم البلاد بالأساليب الغربية، فلم يحاول - كما فعل كورونواليس في الهند - أن يعطل بين الهيئة القضائية والهيئة التنفيذية، أو أن يسن قانونا جديدا قد لا يستطيع الشعب تفهمه، كما أنه لم يحاول البتة أن يغير أساس الإدارة من تنفيذي إلى قضائي، ولكنه لم يسكت عن عمل كل ما أمكن عمله لتطهير العدالة مما كان عالقا بها من الأدران والإشراف على المحاكم القديمة وإدخال محاكم جديدة أكثر انطباقا على روح العصر، ثم إنه لم يحاول شيئا في سبيل إنشاء معاهد تشريعية، ولكنه لم يتوان عن بذل كل ما في سعته لتحسين تصريف الأعمال العامة عن طريق النقاش، وأن يجمع في صعيد واحد ممثلي الطبقات المختلفة الذين يساعد تبادلهم الرأي على تسهيل الأعمال العامة، وأخيرا عني بإنشاء المدارس وإرسال البعثات المختلفة إلى أوروبا على أن يجعل شعبه على اتصال بالآراء والثقافة الغربية، وأن ينشئ جيلا جديدا قد أشربت نفسه حب الآراء الصحيحة والمدارك السامية من الواجبات السياسية أكثر من الجيل الذي كان يعمل معه.
ولعل الباشا في ذلك كله كان ملهما تمام الإلهام أكثر بكثير من الإنجليز الذين كانوا يعملون على تلقين الهنود عامة الآراء الإنجليزية والثقافة الغربية، ولعل سوء حظه الحقيقي انحصر في أنه كان فردا بعينه لا نظاما معينا، وإذا كان لجيل بعينه أن يضع الأسس فلا غنى عن أجيال أخرى لرفع واجهة البناء ورفعها عاليا، ولقد أمعن خلفاؤه الأولون في النكث بعهده وتجاهل أعماله واطراحها ظهريا، لا بل لقد كانوا في كثير من الأحوال يعملون على فشل الغاية من هذه الأعمال، وإذا كان الخلاف بين عهد «بنتنك» وعهد خلفائه في الهند كان تافها؛ فإنه على العكس من ذلك بين محمد علي وعباس الأول مثلا فقد كان الخلاف لا يتناول في الحالة الثانية الغاية وحدها، بل والخطة أيضا. وفي الحق أن أعمال محمد علي قد تعرضت لهزة عنيفة كما لم تتعرض لها أعمال أحد الحكام العموميين في الهند؛ لذلك لم يكن عجيبا أن نرى الكثير منها قد اندثر وراح هباء. وبالرغم من ذلك كله، فإن من الواضح أنه هو الذي أنشأ مصر الحديثة وجعلها على اتصال جديد نافع بالغرب، وليس من ريب في أن هذه الناحية من عمله لا يمكن لأحد أن يغيرها، وإذا كان قد كتب له النجاح والتوفيق؛ ذلك لأنه طبع الشعب الذي يحكمه بطابع الغاية النبيلة التي ينشدها ويعمل على تحقيقها، ولا تزال تقاليده حية إلى الآن برغم مرور نحو قرن كامل!
ناپیژندل شوی مخ