125

مؤسس مصر حديثه

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

ژانرونه

ومع أن محمد علي هو الذي ضحك على ذقون خصومه إلا أنه قد خرج مخذولا من الميدان؛ لأن القوات التي تجمعت ضده كانت أكثر مما كان يستطيع مكافحته، ثم إن القيادة التي كان لها الإشراف على تلك القوات لم يكن يعوزها الحزم والعزم، كما أنها لم تكن تعرف التواني أو التقاعد، ففي يوم 11 سبتمبر نزلت إلى البر السوري بقرب بيروت قوة مركبة من البحارة الإنجليز والجنود التركية، وقد حدث هذا بعد أن قضى الأعوان الأتراك الأشهر الطويلة في حض السوريين على رفع راية العصيان، وكان جيش إبراهيم وقتذاك متفرقا في أنحاء البلاد وفي حالة ضعف شديد، فضلا عن حاجته إلى الذخائر والمؤن، ولم يحل شهر أكتوبر حتى رفع الدروز راية العصيان. وفي 10 أكتوبر التقى الكولونيل نابيير في جهة بيت ماني بإبراهيم على رأس شرذمة من الجند، فأنزل به الهزيمة واستولى على رايته، ثم سقطت بيروت. وفي اليوم الرابع من شهر نوفمبر سلمت عكا بعد ضربها بالقنابل يوما واحدا، وهي التي قاومت إبراهيم من قبل مدة ستة أشهر كاملة، وبسقوط عكا انهار حكم مصر في سوريا، أما في باريس فإن وزارة تيير التي أوشكت أن تجر فرنسا إلى حافة الحرب؛ فقد سقطت قبل ذلك بأيام أي في يوم 29 أكتوبر، وفي يوم 15 نوفمبر ظهر الكولونيل نابيير في مياه الإسكندرية على رأس عمارة بحرية قوية. وفي اليوم السابع والعشرين من الشهر المذكور عقد مع الباشا اتفاقا بدون أن يكون له سلطة لعقد مثل ذلك الاتفاق، وقد وافق الباشا على الجلاء عن سوريا وإعادة الأسطول العثماني في مقابل أن يعترف به حاكما على مصر هو وذريته من بعده. وفي يوم 29 نوفمبر أرسلت التعليمات لاستدعاء إبراهيم من سوريا.

وما كادت تذاع هذه الأنباء حتى دهش لها رجال السياسة في الآستانة أيما دهشة، وقد كتب هودجز بهذه المناسبة بلهجة لم يراع فيها منزلته القنصلية، فقال: «إن ما فعله نابيير قد أثار ضجة شديدة بين رجال السلك السياسي هنا .» ولقد كان في مسلكه بعض ما عرف به الملاحون من الخروج على العرف؛ فقد أبلغ الباشا القرار الذي وضعه بالمرستون والوزارة الإنجليزية في أكتوبر مراعاة لشعور فرنسا. ويقضي القرار المذكور بالتوصية على أن يكون عرش مصر وراثيا في أسرة محمد علي في مقابل مبادرته بسحب جنوده من الأراضي التركية الأخرى وتسليم الأسطول العثماني.

ولما وصلت صورة الاتفاق الذي وضعه نابيير إلى لندن أقرتها الوزارة البريطانية في الحال على أن هواجس بونسيني وظنونه ما زالت تضع العراقيل في سبيل التسوية التامة؛ فلقد حمل الباب العالي على أن يصدر فرمانا بتاريخ 13 فبراير سنة 1841م يشتمل على عدة تحفظات غير مرغوب فيها،

112

ولكن محمد علي بناء على نصيحة نابيير رفض العمل بهذا الفرمان، وألحف بالمرستون وميترننج في طلب تعديل المنحة وقد تم لهما ما أرادا، وصدر فرمان جديد بتاريخ أول يونيو متضمن جعل العرش وراثيا للأرشد فالأرشد

113

من الذكور من أعقاب محمد علي مباشرة. وقد حدد هذا الفرمان الجزية، فجعلها 80 ألف كيس دراهم، وجعل عدد الجيش 18 ألف جندي إلا في حالة الحرب، أو إذا صدر تصريح خاص بزيادته، وقد حظر الفرمان على مصر إنشاء سفن جديدة، وهكذا أصبح حاكم مصر وليس في قدرته أن يهدد سلام أوروبا مرة أخرى، ولئن قيل إن محمد علي قد أخفق في تحقيق غايته الرئيسية وهي إنشاء إمبراطورية؛ فإنه توصل بلا شك إلى تحقيق أشياء هامة؛ فإن مصر قد أصبحت بفضله مستقلة عن الباب العالي فيما عدا الاسم، ثم إن إدارتها أصبحت إدارة منفصلة، وقد أصبح هذا الامتياز مضمونا باتفاق كلمة الدول، مع أن الباشا لم يوفق إلى تحقيق مشروعه الأكبر إلا أنه تمكن من وضع أسس دولة جديدة.

الفصل السابع

حكم محمد علي في مصر

سبق أن بينا أن من بين الأسباب التي حملت بالمرستون على المعارضة في امتداد نفوذ محمد علي عدم فهمه لحقيقة الأداة الإدارية التي وضعها الباشا. وقد كانت الأداة المذكورة على التحقيق هي هدف المعاصرين يكيلون لها المديح بلا حساب أو يسلقونها بألسنة حداد لا تعرف معنى الاعتدال، فكنت إذا سمعت أناسا متحمسين من أمثال واجهورن فلا تسمع عن الأداة الإدارية المذكورة إلا أنها أداة صالحة أسفرت عما فيه خير البلاد والعباد.

ناپیژندل شوی مخ