مؤسس مصر حديثه
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
ژانرونه
ولكنه ما كاد يعبر الدردنيل حتى تلقى أوامر جديدة بالذهاب إلى رودس، فأثار هذا العمل هواجسه، وإنه علم من الكابتن الذي جاءه بالأوامر المذكورة أن النية باتت معقودة على تجريده من القيادة عند وصوله إلى رودس واستدعاء الأسطول إلى الآستانة، فجمع ضباطه وأعلن فيهم أنه مقتنع تمام الاقتناع أن خسرو باشا يعتزم تسليم الأسطول التركي لروسيا، وأنه في هذه الحالة يؤثر الانضمام إلى محمد علي، فأقروا هذا الرأي بالإجماع،
67
وكان قبطان باشا من ألد أعداء خسرو، ولما لم يكن هناك ريب في أن وفاة السلطان محمود ستعزز مركز خسرو وتضاعف نفوذه، فقد كان طبيعيا أن يذهب أحمد مشير إلى الإسكندرية، ويقترح على ضباطه الانضمام إلى محمد علي عسى أن يؤدي تعاونهم جميعا إلى القضاء على خسرو عدوهم المشترك؛ فالشيء الذي كان يحتمل أن يعتبر في أي دولة أوروبية بمثابة عمل ينطوي على الخيانة كان في السياسة التركية يعتبر دليل الفطنة المقرونة بأصالة الرأي وبعد النظر.
وبهذه المناسبة كتب كامبل يقول: «ولا أعرف شخصا تركيا ... ولم يصدر في كافة أعماله من غير مصلحته الشخصية، أو كان مدفوعا بغاية أخرى عدا شهوة الحكم ورغبته في القضاء على خصمه الشخصي.»
68
ولقد كان من نتائج تسليم الأسطول أن أصبحت لمحمد علي الكلمة العليا وأن يفعل كما يشاء، وكيف لا ولم يكن ثمة ما يحول دون زحف إبراهيم على البوسفور بطريق البر، بينما احتشد الأسطول التركي والمصري أمام الآستانة؟! ولم يخامر بونسيني أي شك في أن قلاع الدردنيل سوف لا تصمد لمقاومة الأسطولين بالهمة المطلوبة، وأن الأمر سيؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة في العاصمة التركية يكون لأصدقاء محمد علي الرأي الأعلى في كيفية إدارتها.
69
ولكن الباشا مع ما فطر عليه من حب الاعتدال لم يشأ الذهاب إلى هذا الحد البعيد، فما كاد يسمع بوفاة السلطان محمود حتى أصدر أوامر إلى ابنه إبراهيم بوقف رحى القتال. وفي اليوم التالي لوصول أحمد مشير إلى الإسكندرية أرسل خسرو مندوبا خاصا إلى محمد علي يحمل خطابا رسميا بارتقاء السلطان عبد المجيد الأريكة السلطانية، وكانت لهجة الخطاب ودية. وصفح السلطان الجديد عن سلوك الباشا نحو أبيه الراحل ووعد بأن يغدق عليه النعم وأن يوليه ملك مصر وملحقاتها على أن يكون ذلك ميراثا بين أفراد أسرته، وأخيرا ناشد الباشا أن يساعد على ترقية الإمبراطورية وزيادة رخائها ويسرها.
70
على أن هذه الشروط الإجمالية لم يكن يحتمل أن يقنع بها محمد علي أو تجعله راضيا عنها، ولكنه كان واثقا بأن في استطاعته الآن تحقيق ما كان يطمح إليه؛ وهو جعل حكم البلاد الخاضعة له وراثيا في ذريته؛ ومن ثم أخذ يصرح أمام الملأ بعزمه على الذهاب إلى الآستانة لإعلان ولائه الشخصي للسلطان الفتى.
ناپیژندل شوی مخ