وقال الموفق أحمد بن أبي أصيبعة في تاريخه: حدثني أبو مروان الباجي قال: ثم إن المنصور نقم على أبي الوليد وأمر أن يقيم في بلد اليسانة وأن لا يخرج منها، ونقم على جماعة من الأعيان وأمر بأن يكونوا في مواضع أخر؛ لأنهم مشتغلون بعلوم الأوائل، والجماعة: أبو الوليد وأبو جعفر الذهبي ومحمد بن إبراهيم قاضي بجاية وأبو الربيع الكفيف وأبو العباس الشاعر القرابي.
ثم إن جماعة شهدوا لأبي الوليد أنه على غير ما نسب إليه فرضي عنه وعن الجماعة، وجعل أبا جعفر الذهبي مزوارا للأطباء والطلبة، ومما كان في قلب المنصور من أبي الوليد أنه كان إذا تكلم معه يخاطبه بأن يقول: تسمع يا أخي، قلت: واعتذر عن قوله ملك البربر بأن قال: إنما كتبت ملك البرين، وإنما صحفها القارئ. (5) الديباج المذهب لابن فرحون
ط فاس ص256، ط القاهرة 1351ه، ص284
هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد الشهير بالحفيد من أهل قرطبة وقاضي الجماعة يكنى أبا الوليد، روى عن أبيه أبي القاسم، استظهر عليه الموطأ حفظا، وأخذ الفقه عن أبي القاسم بن بشكوال وأبي مروان بن مسرة، وأبي بكر بن سمحون، وأبي جعفر بن عبد العزيز، وأبي عبد الله المازري.
وأخذ علم الطب عن أبي مروان بن جريول، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، ودرس الفقه والأصول وعلم الكلام ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان - على شرفه - أشد الناس تواضعا وأخفضهم جناحا، وعني بالعلم من صغره إلى كبره حتى حكي أنه لم يدع النظر ولا القراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه، وليلة بنائه على أهله، وأنه سود فيما صنف وقيد وألف وهذب واختصر نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الأوائل وكانت له فيها الأمانة دون أهل عصره، وكان يفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه مع الحظ الوافر من الإعراب والآداب والحكمة، حكي عنه أنه كان يحفظ شعر المتنبي وحبيب.
وله تآليف جليلة الفائدة، منها:
كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، ذكر فيه أسباب الخلاف وعلل وجهه فأفاد ومتع به، ولا يعلم في وقته أنفع منه ولا أحسن سياقا، وكتاب الكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول، وكتابه في العربية الذي وسمه بالضروري، وغير ذلك تنيف على ستين تأليفا، وحمدت سيرته في القضاء بقرطبة، وتأثلت له عند الملوك وجاهة عظيمة ولم يصرفها في ترفيع حال ولا جمع مال، إنما قصرها على مصالح أهل بلده خاصة ومنافع أهل الأندلس، وحدث وسمع منه أبو بكر بن جمهور وأبو محمد بن حوط الله وأبو الحسن بن سهل بن مالك وغيرهم، وتوفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ومولده سنة عشرين وخمسمائة قبل وفاة القاضي جده أبي الوليد بن رشد بشهر. (6) مديح ابن رشد بالزجل من قبل ابن قزمان
لقد نشر أخيرا المستشرق الإسباني الشهير، إمليو غرسيا غوميز
Emilio Garcia Gomez
ديوان الشاعر ابن قزمان الأندلسي، وقد ورد فيه قطعة خاصة بمدح ابن رشد بعد وفاته (قطعة رقم 106 في الجزء الثاني).
ناپیژندل شوی مخ