مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
ژانرونه
وفي التاسع عشر منه، بدأت أعياد القصر العالي، فنصبت حول الساحة الممتدة أمامه الصواوين والسرادقات، وعليها أسماء أصحابها، وبيان الغرض المعد كل منها لأجله، وفرشت بالطنافس العجمية الفاخرة، وأقبل أرباب اليازرجة يقيمون ألعابهم اللطيفة في وسط تلك الساحة الواسعة، ومن ضمنهم بهلوان كان يصعد على حبله بخروف ويجزره فوقه، ثم تفرق لحومه على الفقراء. ورتب مقصفان للعموم: أحدهما على النمط الغربي، وما فتئ مزدحما بقاصديه، الراغبين على الأخص في أنبذته العتيقة الجيدة، والآخر على النمط الشرقي، وما فتئ هادئا بالمقبلين عليه، وأقيمت صواوين خاصة للقناصل، وغيرها للتجار، وأخرى للعلماء، وسرادق لمحافظ العاصمة، علاوة على الصواوين التي أقامها الأعيان على نفقتهم لأنفسهم، ليتمتعوا بمشاهدة الأعياد - وكنت تراهم جالسين فيها يدخنون شبكاتهم - والصواوين العمومية المتخذة قهوات للرقص والغناء.
على أن الرقص والغناء لم يكونا قاصرين على الخارج، بل ما كان منهما في داخل القصر وفي سر دور الحريم كان أهم وأشهى منظرا؛ هناك كنت ترى أشهر الراقصات مزاحمات صفية وعائشة الطويلة وغيرهما من ربات الفن السابقات على الإبداع فيه؛ هناك كنت تسمع (ألمظ) التي كانت إذا غنت أخذت بمجامع القلوب، واستولت على الأسماع برنين صوتها الرخيم، وتوقيع أناشيدها الفتانة؛ هناك كنت تنظر مشاهير البهلوانية من الإنجليز يأتون من صنوف الألعاب ما يخلب العقول ويدهش الألباب، وأساتذة الكار من أهل اليازرجة والسيماء يأتون من الملاعيب ما يحير الأبالسة أنفسهم ، وذلك لبهجة ساكنات تلك الدور، وانشراح عيونهن وأفئدتهن.
وفي ظهر الثالث والعشرين من يناير، خرجت العروس الأميرة أمينة هانم بصحبة سمو الوالدة باشا من سراي الحلمية، وتوجهت باحتفال عظيم إلى قصر سمو ولي العهد بالقبة، يتقدمها ويحف بها موكب مهيب مؤلف من ثلاثة آلايات من الخيالة: (الأول): آلاي ذوي الرماح، وراياتهم المرفرفة من رماحهم خضراء وحمراء، ورءوسهم مغطاة بخوذات الدراجون. و(الثاني): آلاي ذوي الدروع، ودروعهم تسطع عليها الشمس فيتلألأ كل منها كأنه قرصها المنعكس، ويتدلى من خوذاتهم شاش جميل أصفر وأبيض يلعب الهواء به حول وجوههم السمراء الهيجائية. و(الثالث): آلاي ذوي الزرد، وسلاحهم كسلاح الغز أيام الصليبيين، وخوذاتهم الصغيرة يتدلى منها قناع على وجوههم من الأمام، وأكتافهم من الوراء، وهم في كسوتهم الفولاذية جامدون، كأنهم قدوا من جلمد أو من حديد قطعة واحدة، كفرسان شاهين شاه، وصلاح الدين، والظاهر بيبرس. وسارت وراءهم العربات، وأهمها عربات التشريفة يجرها الستة والثمانية من الخيول ذات اللون الواحد، أبيض كالنور، أو أشهب كالذهب، أو أسود كالليل، ويقودها حوذيون بملابس حمراء تخطها شرائب القصب والفضة، بجوارب حريرية تصعد لغاية ركبهم، وبجدائل شعور مستعارة مرشوشة بالبودرة على رءوسهم، كأنهم غلمان أحد اللويسات، الرابع عشر أو الخامس عشر أو السادس عشر، ملوك فرنسا، أعيدوا إلى الوجود، ويسير بجانبها مشيا على الأقدام خدم باللباس عينه، أيديهم على عضاضات أبوابها، وعلى رءوس الجميع، من حوذيين وخدم، برانيط واسعة من ذوات القرون! وسار وراء العربات الأغوات بلباس فرنجي، وبنطلونات ملونة فرايحية، يمتطون صهوات خيول قلما يدركون كيف يحكمونها، وكانت العين ترى في وسطهم شيخا جليلا وقورا مهيبا، وتسمع الأذن همسا أنه أمين بك آخر المماليك، وصاحب الوثبة المشهورة، على أنه إنما كان رئيس إدارة بيت دولة الوالدة.
وعلى هذا النمط عينه، وبالأبهة والجلال ذاتيهما، خرجت عروسا الأميرين حسين وحسن إلى قصري زوجيهما، وأما الأميرة فاطمة هانم فقد كانت زفتها أبهى وأجمل، وقد وصف إدون دي ليون كيفية الاحتفال بفرحها في داخل القصر العالي عينه، كما نقلته إليه عقيلته ، فقال: اجتازت المدعوات بستانا فسيحا منارا، كأنهم أرادوا أن يبقوا فيه نور النهار بملايين المصابيح المتعددة الألوان، وسرن فوق طرقة رخامية بجانبيها الأشجار والمغروسات الغريبة، فبلغن مدخل سراي الوالدة، حيث كان الأغاوات في انتظارهن، يوصلوهن إلى قاعة واسعة ذات رياش فاخر، فوجدن هناك جواري الحريم، ونصفهن مرتديات لباس رجال من أفخر الملابس الشرقية، وواقفات بصفة حجاب، وبعضهن لابسات لبسا بسيطا بطرابيش حمراء على رءوسهن، وشاهرات في أيديهن سيوفا لامعة، وبعضهن لابسات لبسا عسكريا ساطعا، وواقفات وقفة عسكرية بمظهر عسكري حربي لا بأس به، كأنهن وصيفات الملكة زبيدة زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد، فأدخلن الضيفات إلى حجرة كانت «العوالم» ترقص فيها بالساجات! بينما كانت موسيقى نسائية تعزف ألحانا شجية، تلك الحجرة كانت تفتح على حجر أخرى، يتناول النظر أطرافها، وفيها جوار عديدات يرقصن رقصا غريبا بعصي وسيوف ودرقات في أيديهن.
ثم اجتازت الضيفات عدة بلوكات أو صالات، قدمت لهن فيها جميع أنواع الشربات، والمشروبات والحلوى المصنوعة على الطريقتين الغربية والشرقية، معروضة على موائد جمعت كل ما لذ وطاب، وترأست أميرات الأسرة المالكة المائدة الخصيصة بزوجات الخديو وقرينات القناصل، وغيرهن من قرينات كبار النزالة، فبينما هن يأكلن ويشربن، جعلت الموسيقى تصدح صدحا مفرحا.
ثم قدمت الضيفات إلى دولة (الوالدة) في قاعة ذات رياش لا نظير له، وواسعة سعة لا تضيق بمئات الجالسين، فكن يسرن وراء الجواري المسلحات، وتقدم السيدة الفرنجية التشريفاتية كلا منهن باسمها إلى دولة (الوالدة)، ثم تجلسها في المحل المعد لها على آرائك ممدودة في طول الحائط، يغطيها الحرير الثمين.
ولما انتظم العقد بجميع المدعوات، دخلت الراقصات والمغنيات، وأطربنهن مدة، ثم قدمت إليهن الهدايا الفاخرة من لدن الأميرات، وأزواج الباشوات أصحاب المقامات الرفيعة في الحكومة المصرية، فتغنين بمديح الهاديات، بعد استئذان دولة (الوالدة)، والهاديات شكرنهن - وهي عادة «الشوبش» المعروفة بيننا حتى يومنا هذا.
بعد ذلك استجليت العروس فأمسك كل من أغاوات السيدات المدعوات شمعدانا فيه شموع مختلفة الألوان، واصطفوا من أول السلالم حتى القاعة العظمى، حيث كان عقد المدعوات منتظما ، وفرش على الأرض منسوج من ذهب لتخطر العروس عليه، وانصرفت الراقصات ليعدن بمعيتها، وما هي إلا برهة قصيرة حتى تجلت الأميرة فاطمة هانم تستند على ذراع الأميرة أمها في وسط جمهور أميرات البيت الخديوي الكريم، فتقدمت بخطوات بطيئة، وبوقفة بعد كل خطوة، كأنها تقول للناظرات: ها أنا فأعجبوا بي! واجتازت، وعيناها مطرقتان، صفي الأغاوات على النسيج الحريري بين أغاني المغنيات، والراقصات يتقدمنها.
فحالما وقعت أعين المدعوات عليها نهضن، وبينما هي تتقدم كإلهة من آلهات الأزمنة الماضية نحوهن، بمعيتها وجواريها، صعدت كواعب كالبدور على كراس وراءهن، وأخذت تنثر عليهن خيريات ذهبية، ضربت لتلك المناسبة، فتعلق برءوسهن وملابسهن، فامتلأت القاعة على سعتها بالأميرات، والسيدات، والجواري، والراقصات، والمغنيات، وتألقت كلها بالديباج الساطع، والذهب الوهاج، وبثت في كل مكان منها زهور البرتقال والورود، ونثرت فوق الملابس اللماعة البراقة.
وكانوا قد أقاموا في صدر تلك القاعة فوق منصة مرتفعة، ثلاثة عروش مكسوة بالحرير الأبيض، فجلست دولة (الوالدة) على عرش اليمين، والأميرة أم العروس على عرش الشمال، وجلست العروس وعلى رأسها تاج من الماس ثمنه أربعون ألف جنيه على عرش الوسط، وكان لباسها من الحرير الأبيض الفرنساوي الأغلى ثمنا، كله مرصع بأنفس أنواع اللؤلؤ والماس، وله ذيل طوله خمسة عشر مترا، رفعته الجواري وراءها وهن راكعات، فتقدمت المدعوات وهنأنها، وبعد أن جلست معهن برهة عادت إلى حجرها، واستمر الفرح حتى مطلع الفجر.
ناپیژندل شوی مخ