284

مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

ژانرونه

10

فلما آل الأمر إلى (سعيد) - وكان مغرما بالعسكرية غرام الملك «الصول» الپروسياني بجيشه المهندم - بالغ أولا في الاعتناء بأمر طعام الجند وحفظ صحتهم، فحسن مآكلهم ونوعها، ونظم المستشفيات العسكرية تنظيما أصبحت معه الإقامة فيها طيبة، والمعالجة متقنة، والشفاء ميسورا، ثم حسن الملبس أيضا - ولو أنه لم يكن رديئا في عهد سلفه - وتفنن فيه تفننا عجيبا، متخذا لتفننه نبراسا تنوع الأزياء في الجندية الفرنساوية. وبعد أن أوجد هذه المحببات ألغى أمر الاقتراع، وجعل التجنيد عاما وواجبا على كل شاب يبلغ السادسة عشرة من عمره بدون استثناء، على أن تكون الخدمة العسكرية سنة واحدة لا غير، ولكيلا يكون لمشايخ البلاد سبيل إلى الجور والتعسف، نزع منهم مسئولية التجنيد، وأوجد جدولا عاما للمواليد في عموم أنحاء القطر، لتكون الدعوة إلى العسكرية في حينها أمرا يتم من تلقاء ذاته، فضجت البلاد في بادئ الأمر وتململت؛ لظنها أن هذه إساءة جديدة تصاب بها، ولكنها انتهت إلى الطاعة والامتثال، بل إلى الارتياح، حينما رأت التجنيد يعمل بانتظام، وبدون مظالم أو محاباة، ورأت أن (سعيدا) إن احتمل بنفس متفكهة ثورة النسوة عليه بسبب قراره، لم يسمح لأي كان من أعيان البلاد وسراتها بالفرار من نفاذ ذلك القرار في أولاده وذويه، وأظهر من الشدة والصرامة في معاملة المخالفين ما ذهب بالرغبة في المخالفة من صدور الجميع.

11

غير أنه لم يكن في الاستطاعة في بادئ الأمر استخدام جدول المواليد والاعتماد عليه إلا بمساعدة مشايخ البلدان أنفسهم، فلشعور هؤلاء بأن الفرصة آخذة بالتملص من أيديهم انكبوا على اغتنامها، والانتفاع منها جهد طاقتهم، لا سيما أن رؤساءهم الأشد بهم التصاقا متأثرون بشعورهم ذاته، وراغبون أشد الرغبة في أن يصيبوا نصيب الأسد في اقتسام أسلاب الفلاحين البائسين.

فأدى ذلك مع تقلب أهواء (سعيد) التقلب المشهور عنه، لا سيما في أواخر أيامه، وتشتت قوى ذهنه عن دائرة الاهتمام بأي أمر كان يشرع فيه إلى هبوط عدد جنديته إلى 7500 عسكري، وصيرورتها جندية مظهر أكثر منها جندية عمل.

ولا أدل على تقلب هوى (سعيد)، وتشتت قوى ذهنه من واقعة قصها علي ابن أحد الرجال الأكثر التصاقا به، لأنه كان مربي (طوسون) ابنه، قال: «كان (سعيد) ذات يوم بمصر، فأرسل إلى أبي وهو بالإسكندرية يستدعيه إليه مع ابنه الأمير (طوسون) ليكونا بمعيته، فقام أبي مع الأمير الصبي، وتوجه إلى مصر، وصعد إلى القلعة، وأبلغ سمو الوالي أنه صدع بأمره، وأصبح تحت تصرفه، فلم يجبه (سعيد) بشيء، ولم يستدعه، ولا استدعى (طوسون )، ثم عاد هو نفسه بعد ثلاثة أيام إلى الإسكندرية دون أن يرى ابنه أو يأمر أبي بشيء، فاحتار والدي فيما يصنع، وبعد أن بقي في القلعة عدة أيام في انتظار عودة سمو الوالي، ورأى أن الانتظار لا يجدي نفعا، رجع هو أيضا إلى الإسكندرية بالصبي الأمير، وعاد إلى ما كان عليه، ولم يدر أحد ماذا كان سبب استدعائهما إلى مصر.»

12

فأعاد (إسماعيل) الجندية إلى عددها ونظامها في أيام (إبراهيم) الهمام أبيه،

13

ورأى أن يقتدي بجده في إنشاء مدارس خاصة بها وعلى أنواعها، فأسس في العباسية مدرسة للبيادة أقام فيها خمسمائة طالب، ومدرسة للخيالة أقام فيها مائة طالب، ومدرسة للمدفعية أقام فيها مائة طالب أيضا، ومدرسة هندسة عسكرية جعل فيها أربعين طالبا، وعهد بإدارة هذه المدارس إلى الماچور سليمان بك، وكان قد تخرج من مدارس باريس ومتز العسكرية، وأنشأ مدرسة لأولاد رجال كل فرقة من فرق جيشه، يتعلمون فيها من سن ست إلى سن تسع عشرة ما يحسن أن يتعلمه أمثالهم، ولم يكتف بذلك، بل أسس مدرسة لكل أورطة من أورطه لتعليم رجالها القراءة والكتابة، وأنشأ في القلعة مدرسة كبيرة للصف ضباط أقام فيها نيفا وخمسمائة متعلم، وذلك زيادة على المدرسة التي أنشأها في القلعة لأولاد حرسها، وأمها ثمانمائة منهم.

ناپیژندل شوی مخ