مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
ژانرونه
وبلغ العصاة هذا القول، فتركوا السفر، وانقسموا أربع فرق حسب أجناسهم: الدنكة، والفور، والنوبة، والمولدين؛ فتولى كل فرقة رئيس منهم، وانتشروا في البندر ينهبون ويسلبون، ونزلت فرقة الدنكة على منزل رجل اسمه الحاج أحمد ود عجيب - وكان فيه مطمورة غلة - فقتلوا الحاج أحمد وأخاه، وتقدموا إلى باب المطمورة لإخراج الغلة، وكان للحاج أحمد بنت تسمى آمنة، فلما رأت أباها وعمها مقتولين هان عليها الموت، فأخذت سيفا ووقفت في الباب، فصدتهم عن الدخول، وقتلت خمسة منهم، فتسلقوا السقف ونقبوه ونزلوا إليها، فقتلوها وأخذوا الغلة.
وكان المدير قد أرسل يطلب المدد من الخرطوم - وكان الحكمدار العام موسى باشا قد توفي فيها منذ بضعة أشهر، وقام بشئون الأحكام مكانه عمر فخري بك - فرفع عمر هذا الخبر إلى (إسماعيل) بمصر، فاهتم (إسماعيل) بالأمر حق الاهتمام، وبعث جعفر باشا صادق واليا على السودان، فذهب إليه عن طريق كروسكو، واتخذ جعفر باشا مظهر وكيلا له، وأرسله بجيش ومدفعين إلى كسلا عن طريق سواكن لإخماد الثورة، وبعث بالأوامر المشددة إلى فخري بك ليبادر إلى إرسال النجدات من حاميات البلاد حتى يصل مدد مصر.
وكان أول من وصل كسلا، مددا، السرسواري علي كاشف الكردي، ومعه أربعمائة رجل من الباشبوزق، وجاءها من القضارف في أواخر يولية سنة 1865، ونزل في ديوان المديرية. وبعد أن وصل ببضعة أيام خرج أحد رجاله بجمله ليرعاه، فلقيه جماعة من السود المتمردين، فسلبوه جمله وسلاحه وذخيرته، فعاد إلى علي كاشف شاكيا، فغضب علي كاشف، وضرب طبل الحرب، وتهيأ للقتال، وكان السيد حسن المرغني لا يزال مقيما داخل الاستحكام، فأتى إليه وسكن غضبه، وتكفل له برد الجمل والسلاح، ثم ذهب إلى العصاة وتلطف لهم، فردوا الجمل والسلاح، ولكنهم أنكروا أنهم أخذوا شيئا من الذخيرة، فصمم علي كاشف رأيه على استرجاعها، ولما لم يردوها خرج إليهم ليلا في ضوء القمر، وأشعل فيهم النار، فقابلوه بالمثل. ولما ثقل عليه الرصاص عاد إلى ديوان المديرية وتحصن فيه، وفي اليوم التالي فتح السود المزاغل في الثكنة والمنازل التي في جواره، وأخذوا يرمون المارة بالرصاص، فقطعوا السابلة، وحبسوا الناس في منازلهم مدة ستة وعشرين يوما، حتى حضر آدم بك من واد مدني، فالخرطوم، فبربر، بمدد من الجنود المنظمة، والباشبوزق، فكفوا عن الحرب.
وكان آدم بك من أعظم ضباط الجيش المنظم، وقد تربى في مصر ورافق (إبراهيم) الهمام إلى سوريا، فاشتهر بالبسالة والدربة وحسن السياسة، وكان (إسماعيل) يعرفه، فلما بلغه أنه ندب إلى كسلا كتب إليه بالتركية بتاريخ 22 سبتمبر سنة 1865 ينبؤه بإرسال قوة بقيادة وكيل الحكمدارية، ويبلغه ثقته من أن يتمكن هو وذلك الوكيل من إخماد الثورة، ويزوده بتعليمات تقضي باستعمال الشدة مع العصاة وتعقبهم وقتلهم أو أسرهم، وختم كتابه بالجملة التالية: «وإني أعلم بسالتك وحسن سياستك منذ كنت مع المرحوم والدنا في سوريا، فحقق آمالنا بك، وعند انتهاء الثورة احضر إلى مصر، والسلام.»
فلما وصل آدم بك إلى كسلا، أنزل جنده خارج السور تجاه الباب الشرقي، وأخذ بروجية وبلطجية، وذهب رأسا إلى الثكنة حيث يقيم العصاة، فأمر البروجي فضرب «نوبة جمعية ضباط»، ولما اجتمع الضباط عليه خاطبهم آدم بك قائلا: «يا أولادي! ما هذا التمرد والعصيان اللذان جاهرتم بهما؟ ألستم أولاد أفندينا الذي شرفكم بخدمته، وأجرى لكم الرزق والخيرات السنين الطوال؟ أيحسن بكم أن تعصوه وتنتقضوا على حكومته، وهو قد عهد إليكم تأييد سلطته في البلاد؟ نعم إنكم مظلومون لعدم أخذكم رواتبكم في أوقاتها، ولكم أن ترفعوا أصواتكم بالشكوى، ولكنكم خرجتم عن حد الشكوى، ووسعتم الخرق، ومع هذا فإني أرجو إصلاح الأمر، وأخذ العفو لكم من ولي النعم، فإذا سألوكم بعد الآن فقولوا إنا لم نجد ضابطا عظيما من أبناء جنسنا نرفع إليه شكوانا ليبلغها إلى ولي نعمتنا، فكان منا ما كان. وأريد منكم الآن أن تخرجوا خارج السور، فتقيموا بين جبل مكرام وجبل كسلا حتى يصل إليكم العفو، ولا تغتروا بقوتكم وكثرة جموعكم فإن «يد الميري طويلة»، فها أنا قد جئت بجيش من العساكر السود والباشبوزق، وجاء قبلي جيش آخر، والمدد آت في الطريق من كردوفان وسنار وبربر ومصر، فإذا تماديتم في العصيان، فإنهم يجتمعون عليكم، ويقتلونكم شر قتلة، فاقبلوا النصح وسلموا أمركم إلي، وأنا أدبركم بحكمتي ومروءتي.»
ومع أن آدم بك كان عربي الجنس، أبوه محمد ضو البيت شيخ عربان دار حامد بكردوفان، إلا أنه كان شديد السمرة جدا، وعارفا بأخلاق السود، حتى كان يظن أنه منهم، فاستأنس ضباط العصاة به، واطمأنوا لكلامه، خصوصا لأنه خاطبهم كأب، فامتثلوا أمره، وخرجوا من الثكنة بجنودهم إلى المكان الذي عينه لهم خارج السور.
وبعد وصول آدم بك بأربعة أيام حضر الصاري ششمه عبد الله باشا من الخرطوم وبربر ومعه ثلاثة أرادي من الباشبوزق، وعسكر خارج السور، فعقد اللواء حسن باشا مجلسا في ديوان المديرية مع عبد الله باشا هذا والمدير وآدم بك وسائر الضباط والسناجق، للنظر في شأن العصاة، فقر رأيهم على تجريدهم من السلاح، ووكلوا تنفيذ قرارهم لآدم بك، فنفذه، وسلمه العصاة سلاحهم عن رضى، ثم عقد الضباط مجلسا آخر للنظر فيما يفعلونه بعد، فكان رأي الأكثرية على قتلهم، فأنكر آدم بك هذا الرأي، وقال: «إني حلفت لهم بشرفي أنه لا يقع عليهم حكم إلا إذا صدق أفندينا عليه، وعلى هذا سلموني سلاحهم، فالآن نرفع الأمر إلى أفندينا، والذي يأمر به نفعله.»
فأخذ المجلس برأيه، ولكنه أقر على شد وثاقهم إلى أن يأتي الرد بشأنهم من مصر، فأمروا عساكر الباشبوزق فركبوا خيولهم، واحتاطوا بهم من كل جانب، وأخذوا حبالا من المخازن، وشرعوا في تقييدهم، وإدخالهم في الثكنة، جماعة بعد جماعة، وإنهم لكذلك، وإذا ببلوكباشي من الباشبوزق اختطف بنتا من يد شاويش من الآلاي ليتمكن من تقييده، فبكت البنت، فسأله أبوها أن يتركها وشأنها، فشتمه البلوكباشي، ورفسه برجله - آه من تعسف أولئك الباشبوزق! - فأخرج الأسود سكينا من كمه، وطعن البلوكباشي فقتله، وهاج السود كلهم، فأمر عبد الله باشا الباشبوزق فأطلقوا الرصاص عليهم، فقتلوا أكثرهم، وهم لا يستطيعون عن أنفسهم دفاعا، وقبضوا على الباقين قبض اليد، وزجوهم في السجن.
ثم لم يكن إلا القليل حتى حضر جعفر باشا مظهر وكيل الحكمدارية بجنده، وحقق أسباب الثورة، وكان صاغ يقال له محمد أفندي أبو خطلك قد كشف عن حظه في الرمل، فقيل له إنه إذا بقي مع المدير مات شنقا، فانضم إلى العصاة، وذلك قبل مجيء آدم بك من الخرطوم بيومين، فأمر جعفر باشا بشنقه فشنق - وهكذا قضى عليه جهله وتصديقه بكلام المنجمين! - ثم شنق بعده يوزباشي اسمه بشير أغا السوداني، وكان قد اتحد مع العصاة بعد رجوعهم من الميت كناب، أما المتمردون الآخرون الذين سلموا من القتل في حادثة البلوكباشي فإن جعفر باشا جعلهم ثلاث فئات؛ فجعل الذين بدأوا بالثورة مع خطاب أفندي ثم عصوا في الميت كناب فئة أولى، والذين عصوا بعد رجوع الفئة الأولى من الميت كناب فئة ثانية، والذين كانوا متغيبين في الجهات خارج البندر، أو الذين كانوا فيه ولم يظهروا العصيان فئة ثالثة. فحكم على رجال الفئة الأولى بالإعدام، فأوثقوهم وصفوهم على خندق حفروه لهم في سفح جبل مكراه، وضربوهم بالرصاص، فسقطوا في الخندق، ثم ردموا الخندق، فكان من الردم تل ظاهر. وحكم على رجال الفئة الثانية بالحبس المؤبد مع الأشغال الشاقة، فاستخدموهم أولا في بناء المنازل التي خربوها. وأما رجال الفئة الثالثة فنظم منهم ثلاثة بلوكات، وأبقاهم في المديرية.
وأما المدير إبراهيم بك أدهم، فكان قد توفي قبل وصول جعفر باشا إلى كسلا بأيام قليلة، وكانت وفاته بغتة، حتى قيل إنه شرب سما ليتخلص من الإهانة والعقاب. وتوفي بعده عبد الله باشا الصاري ششمه، ثم عثمان بك الذي خلف خطاب أفندي على قومندانية المتمردين، وكان اللواء حسن باشا قد أصيب بإسهال قبل وصول جعفر باشا إلى كسلا، فتوفي بعد وصوله بأيام قليلة. وهكذا انتهت ثورة الجند السود في كسلا، بعد أن جرت الخراب على أهلها، وضاع فيها الكثير من النفوس والأموال، ولم تكتف بهذا، بل جرت وراءها ذيلا؛ أي حمى وبائية نجمت عن فساد الهواء لكثرة القتلى، فمات بها خلق كثير.
ناپیژندل شوی مخ