275

مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

ژانرونه

ولا أدل على قلة مبالاة أولئك الرؤساء بالمهمة المعهودة إليهم مما رويناه عن علي شريف باشا وحصانه فيما سبق؛ كما أنه لا أدل على قلة درايتهم في الغالب من معرفة أن رئيس المحكمة التجارية بالإسكندرية، وقت ترتيب المحاكم المختلطة، كان ديمتري بك بشارة؛ في حين أن مترجمها، في بعض عهده، كان بطرس غالي باشا، الوزير المصري الشهير، الذي قتله الورداني في 20 يناير سنة 1910؛ والفرق بين مدارك الرجلين ومعارفهما وتفتق ذهنيهما كالفرق بين الليل والنهار! وأن سلف ديمتري بك المذكور كان رجلا تركيا يقال له: الألفي بك، يكاد لا يعرف القراءة.

وكان المحلفون في تينك المحكمتين ينتخبون من بين أربعة وعشرن تاجرا بمصر، ومن عدد أكبر من هذا بالإسكندرية، تكتب أسماؤهم في كشف تقدمه المحافظة إلى وزارة الحقانية؛ فتعين هذه اثني عشر منهم محلفين أصليين واثني عشر آخرين نوابا عنهم في حال غيابهم أو اعتذارهم. أما المحلفون الأجانب فكانت الحكومة تنتخبهم من بين عدة من وجهاء تجار الجاليات الغربية، تقدم القنصليات كشوفا بأسمائهم إلى الوزارة عينها.

وهذه هي القاعدة المتبعة الآن في المحاكم المختلطة في انتخاب المحلفين، سواء أكانوا من الأهالي أم من الأجانب؛ ولا شك في أنها من بقايا النظام القديم، والتعديل الوحيد الذي أدخل عليه هو أن التجار الواردة أسماؤهم في الكشوف هم الذين ينتخبون الآن المحلفين، والمحكمة التجارية المختلطة هي التي تصادق بعد ذلك على انتخابهم، لا الحكومة المصرية كما كان سابقا.

فلما وصل إنذار الحكومة المصرية إلى الخارجية الفرنساوية، وعلمت هذه من جهة أخرى أن امتناع فرنسا عن الموافقة، بعد موافقة باقي الدول، إنما يضر في الحقيقة بفرنسا والمصالح الفرنساوية وحدها دون غيرها، عرضت المسألة على الجمعية العمومية - وكانت لا تزال منعقدة - وطلبت إليها بت الرأي فيها.

فبالرغم من أن بعض الخطباء، من محبي الكلام لبهجته، وجدوا الفرصة سانجة ليغرقوا في إعجابهم بمفاخر فرنسا الماضية، وبما كان لها من الأهمية في المسائل الشرقية على الأخص في أيام فرنسيس الأول ولويس الرابع عشر، وليتذرعوا بذلك الإعجاب إلى الإصرار على رفض المشروع، بالرغم من أن فئة عديدة من نواب الأمة انضمت إلى أولئك الخطباء وقاومت المشروع مقاومة عنيفة، فإن أغلبية الجمعية العمومية رأت في نهاية الأمر وبعد جدال شديد أن تقرر الواقع وتصادق عليه، في أواخر ديسمبر سنة 1875.

فيتضح من تفصيلات ما ذكرنا أن أمر توحيد الشرائع والقوانين والمحاكم ليس من مبتكرات اليوم؛ وأن الحكومة المصرية قد رمت إليه منذ نيف وخمسين عاما، وكادت تبلغ بغيتها منه، بفضل اجتهاد الخديو (إسماعيل) ونوبار باشا وزيره الحكيم لولا معارضة الحكومتين التركية والفرنساوية، وحيلولتهما بينها وبين أمنياتها، وتمكنهما في نهاية الأمر من عدم إدخال الإصلاح إلا مبتورا: الشيء الذي قيد المستقبل في نصف دائرة الفوضى القضائية القديمة؛ وجعل مصر ترزح حتى يومنا هذا تحت ثقل التجاوزات الامتيازية الموجبة حتما ثقل تجاوزات قوانين الأحوال الشخصية.

فلما وافى أول يناير سنة 1876 افتتح رياض باشا - وكانت وزارة الحقانية المصرية قد عهدت إليه - عهد العدالة الجديد في القطر المصري، افتتاحا رسميا حقيقيا، بتقليده قضاة محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة وظائفهم، تقليدا علنيا، على أن يكون بدء أعمالهم في أول فبراير التالي، لكي تتمكن الحكومة الفرنساوية في هذه المهلة من الموافقة على القضاة الفرنساويين الذين يختارهم الخديو، ويتمكن هؤلاء من الوصول إلى مقر وظائفهم.

وما وافى الخامس عشر من شهر فبراير سنة 1876 إلا وكان كل القضاة في أماكنهم؛ وأخذت المحاكم الإصلاحية تقيم معالم العدالة على قاعدة القوانين الجديدة. غير أن القضاة الفرنساويين لم يحضروا إلا بعد ذلك ببرهة.

هكذا زالت آخر عقبة من السبيل المؤدي إلى الاستقلال، بزوال سلطة القنصليات الأجنبية المدنية من جانب السلطة المصرية المحلية؛ ولولا تعنت فرنسا وتصلبها، الذي لا مبرر له غير مخاوف سخيفة لا يأبه التاريخ لها، لزالت سلطة القنصليات عينها الجنائية أيضا ولباتت دولها القائمة في جسم دولتنا المصرية في خبر كان منذ نيف وخمسين سنة.

على أننا نستطيع أن نقول بحق إن (إسماعيل) بعد أن أزال سلطة شركة السويس التجاوزية على ضفاف القناة؛ وأبطل حقوقها المثقلة عواهن الحكومة المصرية بمقتضى الامتياز الممنوح من سلفه لتلك الشركة؛ بعد أن غير مجاري الوراثة، من الأرشد فالأرشد في أسرة (محمد علي) إلى الابن البكر فالابن البكر من ذريته؛ بعد أن أبدل صفه «الوالي» الحقيرة، التي كان يشترك فيها مع باقي ولاة الدولة العثمانية بلقب «خديو » الفخيم؛ بعد أن نال جميع الحقوق الملكية المناسبة لذلك اللقب الجديد، والتي أصبح بموجبها مستقلا تمام الاستقلال في بلاده، وحمل الحكومات الأجنبية على اعتماد تلك الحقوق اعتمادا دوليا؛ بعد أن أزال جزءا كبيرا من السلطة التجاوزية التشريعية والتنفيذية التي أوجبها في بلاده نظام الامتيازات الجائر؛ بعد أن نقل الحدود المصرية نحو الجنوب إلى ما يقرب من خمس عشرة درجة، ونحو الغرب والشرق إلى ما يقرب من درجة ونصف - وهو ما سنفصله في الباب الثالث التالي - أصبح محقا في أن يعتبر أن الخطة التي وضعها لنفسه لما ارتقى عرش أبيه وجده قد تحققت؛ وأنه بلغ في أول يوم من سنة 1876 أوج عزه وذروة مجده!

ناپیژندل شوی مخ