268

مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

ژانرونه

فأرسل الخديو في بادئ الأمر مصطفى رياض باشا وزير حقانيته إلى الأستانة لإزالة سوء الفهم الواقع؛ وأعلم الحكومة الإيطالية بالمعارضة المبداة من قبل الديوان العثماني، لتعمل على رفعها.

ولكنه اتفق أن عالي باشا، الصدر الأعظم، مرض في الأثناء، المرض الذي قضى فيه نحبه، فلم تتمش المخابرات إلا بطيئة، وبدا من إنجلترا عينها ما جعل الملأ المصري يوجس خيفة على مشروعه القضائي.

فتوالت الأشهر بدون جدوى؛ واجتهد الباب العالي، لا سيما بعد موت عالي باشا، في حمل الحكومة المصرية على طرح مشروعها في زاوية الإهمال؛ محتجا، من جهة، على ما ألزم الخديو به نفسه للدول من عدم إدخال أي تغيير على القوانين المختلطة مدة خمس سنوات؛ وخوف (إسماعيل)، من جهة أخرى، بما قد ينجم - على زعمه - عن المشروع من نتائج وخيمة على الأهالي والحكومة وعلى حقوق مصر واستقلالها، وتمسك - تبريرا لسلوكه - بما آلت إليه الحكومات الأجنبية، إلا الإيطالية، من الجمود إزاء المشروع، حتى إن فرنسا عينها، لانشغالها بمداواة جروحها ورتق خروقها عن الاهتمام اهتماما زائدا بالشئون الخارجية، امتنعت من إرسال تعليمات بخصوصه إلى سفيرها في الأستانة.

ولكن همة (إسماعيل) لم يثبطها قيام تلك العراقيل في سبيل إصلاحه المرغوب؛ ولو أن المقربين إليه، حتى الحكومة الإيطالية صديقته الحميمة، أوشكوا أن يخافوا على عزيمته الملل والتعب، ويخشوا إقلاعه عن رأيه، وإنما كان السبب في تجلده وعدم خور همته ما كان قد وطن النفس عليه توطينا صادقا من القضاء على قيد الامتيازات الأجنبية التي كانت - في عرفه - أشد ما يثقل عاتق الحكومة المصرية وأشد ما يقعد بمصر عن بلوغها استقلالها.

فرد في 13 يونية سنة 1872 على الصدر الأعظم ردا بليغا ذكر فيه: «أن الباب العالي عينه كان قد وافق على جعل حد سير المحاكم الجديدة خمس سنوات؛ وقال: إنه لم يفتأ معترفا بأن سن القوانين حق مقدس من حقوق السلطنة المطلقة، الخاصة بها دون سواها؛ وأنه لذلك لم يقع في خلده أبدا أن يسن قوانين؛ وأن القوانين المختلطة التي ستطبقها المحاكم الجديدة إنما هي، في الحقيقة، القوانين السارية بالقطر المصري في كل آن؛ أي أنها، إذا، قوانين السلطنة عينها، ثم ذكر الباب العالي بأن المشروع تحت التداول والأخذ والرد منذ أكثر من خمس سنوات باطلاع الديوان السلطاني وموافقته؛ وذكره بكل ما حصل في الشأن؛ وأن الآراء كلها أجمعت على أن القضاء، كما هو بالقطر المصري، ليس بقضاء؛ وأنه ما دام لا يوجد في قطر من الأقطار قضاء منظم، تصدر الأحكام عنه للجميع، بكيفية واحدة على السواء، فالتقدم والرقي والإتجار والمدنية تبيت كلها أمورا متعذرة، إن لم تصبح في دائرة المحال؛ وأنه لا يرى، إذا، كيف يمكن أن تنجم عن تنظيم القضاء في بلاده النتائج الوخيمة التي يخوفه منها الباب العالي؛ وأن نواب الدول الذين تباحثوا في المشروع، في كل لجنة شكلت لذلك الغرض، أبدوا من شعائر الاحترام لاستقلال القطر، والحقوق التي يعتبرها الجميع مقدسة، ما حمل الباب العالي عينه على إقرار المشروع، بعد إدخال بعض تعديلات عليه؛ وأنه لم يعد يبقى لنفاذه إلا رغبة الدول في الاطلاع على القوانين التي سوف تطبقها المحاكم العتيدة؛ وأنه لو كان في إبداء هذه الرغبة ما يجور على استقلال الحكومة وحقوقها، أو ما يفيد تداخلها في شئون تشريع القطر، لما أبديت ولما قبلت؛ وأن نتيجة كل ما تقدم أن تنفيذ المشروع إنما يقصد به في الحقيقة حصول الأهالي والكل، سواء بسواء، على حقوقهم الضائعة؛ وحصول الحكومة المصرية على الطمأنينة والحماية اللازمتين لها».

ولعلمه أن وجوده بشخصه، في الأستانة، يفعل ما لا يفعل خير الأدلة والبراهين في قضاء لبانته، أكثر من كل مكاتبة مهما كانت فصيحة، عزم على السفر إلى الأستانة؛ وسافر إليها في أواخر شهر يونية عينه، مصطحبا وزيره الحكيم نوبار باشا.

فاغتنمت إيطاليا فرصة وجوده في تلك العاصمة، وفاتحت خارجيات الدول الكبرى في أمر تعضيد مساعيه لدى الباب العالي، بواسطة سفرائها بالأستانة؛ والعمل، في الوقت ذاته، على منع كل تأثير على الخديو من شأنه دفعه إلى المطالبة بتطبيق النظام القضائي الذي تطبقه الدولة العلية في ممالكها، ببلاده.

فأجابت النمسا وفرنسا وألمانيا إيطاليا إلى طلبها؛ وكلفت كل منها سفيرها لدى الحكومة العثمانية بالعمل على إقناع الباب العالي بوجوب المصادقة على مشروع الإصلاح القضائي بمصر. أما الحكومة الروسية فامتنعت، في بادئ الأمر، لقلة مصالحها في القطر، وأما إنجلترا فقالت: «إن الظروف في تركيا، لا سيما بعد حرب القرم، لم تعد، كما كانت في الماضي، موجبة لتداخل الدول كثيرا في شئونها الداخلية؛ وأنه يحسن، والحالة هذه، بالدول الانتظار ريثما تفرغ الأستانة من وضع القوانين التي وعدت بإنجازها في ستة أشهر، والالتفات فقط إلى أن لا تدخل فيها ما يكون مغايرا أو مبطلا للمصالح الأجنبية المعمول بها».

فأدى سعي الخديو، من جهة، السعي السابق لنا ذكره في غير هذا الفصل، ومساعي سفراء الدول الأربع المشتركة. من جهة أخرى، إلى نزول تركيا عن إصرارها؛ وقبولها تطبيق القوانين المطروحة أمام الدول لتصدق عليها، تطبيقا مؤقتا، في القطر؛ ورضاها التام عن النظام القضائي العتيدة إقامته.

6

ناپیژندل شوی مخ