مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
ژانرونه
والامتيازات الجديدة، التي أوجبها ذلك اللقب، كانت كبيرة وغير منتظرة إلى حد أن معاني الكلمات الدالة عليها في الفرمان أشكل فهمها على معظم الناس: فإن السلطان تناول: (أولا) نص الشرط الرابع من الشروط الاثني عشر التي منح فرمان 13 فبراير سنة 1841 بمقتضاها حق توريث السدة المصرية (محمد علي) وذريته، وهدمه هدما؛ وقرر أن المقصود من القوانين العثمانية الواجب تنفيذها بمصر، إنما هي المبادئ العامة المعلنة في خط جلخانه، وأعني بها الضامنة الأعمار والأملاك والأعراض؛ وأما فيما عدا ذلك، فإنه خول للحكومة المصرية الحق في وضع القوانين واللوائح والأنظمة التي يقتضيها حسن الإدارة وتراها «هي» مناسبة لعادات البلاد، وطباع أهلها، وموافقة لمصالحهم؛ وصرح (ثانيا)، للخديو، أن يعقد مباشرة مع الأجانب ودولهم أية اتفاقية يشاء بخصوص الجمارك، وعلاقات البوليس بالجاليات الغربية، ومرور البضائع والركاب في داخلية البلاد، وإدارة البريد، وهلم جرا؛ على أن لا تتخذ تلك الاتفاقيات شكل معاهدات دولية ماسة بسيادة الدولة العلية على القطر؛ وأوجب (ثالثا) على الباب العالي أخذ رأي الحكومة المصرية في كل معاهدة تجارية يريد إبرامها مع الدول الأجنبية؛ ليتمكن أولو الشأن المصريون من المحافظة على مصالح مصر التجارية.
ولما كان الفرمان الصادر في 27 مايو سنة 1866 بشأن تعديل قانون الوراثة قد صادق مصادقة تامة على تعديل السابع والثامن والحادي عشر من الشروط المدونة بفرمان 13 فبراير سنة 1841، وخول الحق لأمير مصر في سك نقود تختلف عن نقود باقي السلطنة، مع إبقاء اسم السلطان عليها؛ وفي رفع عدد الجيش المصري من ثمانية عشر ألف جندي إلى ثلاثين ألفا؛ وفي منح الرتب المدنية لغاية الرتبة الثانية من الصنف الأول بدون استئذان، وباقي الرتب حتى أعلاها أي رتبة روملى بكلربك ورتبة بالا، مدنية كانت أو عسكرية، بمجرد إخطار الباب العالي، لاعتمادها، وإرسال براءتها من لدنه؛ وكان ترك اختيار القماش اللازم لملابس الجنود المصرية، وتفصيله إلى مجرد إرادة الخديو قد ألغي، في الواقع، جزءا عظيما من ملزمات الشرط التاسع من الشروط الآنفة الذكر، فإنه لم يعد يبقى من القواعد التي بنيت عليها السيادة العثمانية على مصر، سوى ما أقيم منها في الخامس والسادس والعاشر من شروط فرمان 13 فبراير سنة 1841 على أن نص الشرط الخامس إنما كان مجرد حبر على ورق: لأن الأموال، والضرائب، والرسوم، وغيرها من أوجه الإيراد، كانت تجبى باسم الحكومة المصرية لا باسم السلطان؛ ولم تكن طريقتا ربط الجمارك وتحصيلها مماثلتين لما كان جاريا ومعمولا به في تركيا، حتى قبل أن يخول فرمان 8 يونية سنة 1867 الحق للخديو في إبرام أية معاهدة جمركية يريدها مع الأجانب.
وقد رأينا أن الجزية تعدلت أولا، وثانيا؛ وقررت، أخيرا، بحيث لم يعد للسلطان دخل في الإيرادات المصرية، ولا حق في معرفة مقدارها ونوعها - فلم يبق، إذا من حائل، في الحقيقة وواقع الأمر، بين مصر واستقلالها استقلالا تاما، سوى قيد الجزية السنوية، وقيد منعها عن بناء سفن حربية، إلا بتصريح كتابي.
أما قيد حظر بناء سفن حربية، فإن (إسماعيل) أقبل يعمل على كسره، ومداد الفرمان المانح له لقب «خديو» لا يزال رطبا على قرطاسه، فإنه، وهو في باريس يزور المعرض، وبينما السلطان نفسه فيها، أوصى المعامل الفرنساوية بعمل ثلاث بوارج مصفحة من النوع الذي كان يطلق عليه اسم «فرقاطة» ومن الطراز الجديد المستعمل لدى الدول الأوروبية كلها، بدل السفن الحربية الشراعية القديمة؛ ولكيلا يجد معارضة من السلطان، واجتنابا لكل انحراف في خاطره عنه، أفهمه أن تقوية الأسطول المصري - وهو جزء من الأسطول العثماني - بتلك البوارج، ما هو في الحقيقة إلا تقوية للأسطول العثماني عينه، وزيادة في مهابته وقت الحاجة.
فلما رأى أن عبد العزيز غير مقتنع بذلك، وغير راض عن عمله؛ وأن وزراءه المرافقين له في سياحته - وقد عز عليهم أن يكون لنوبار باشا، الوزير المصري، شأن أكبر من شأنهم في عالم السياسة - أقبلوا على معاكسة مساعيه الرامية إلى تحرير بلاده من قيد الامتيازات الأجنبية، بالقضاء على السلطات القضائية الدولية القائمة فيها، بحجة المحافظة على حقوق السيادة التركية على مصر، وبحجة تأييد نصوص الفرمانات، استعان، من جهة، بالإمبراطور نابوليون الثالث، ورجاه التوسط بينه وبين متبوعه لإزالة الخلاف بالتي هي أحسن.
ففعل العاهل الفرنساوي ذلك، عن طيبة خاطر، لما كان (لإسماعيل) من المنزلة لديه، ولرغبته في أن يطوقه بأياد تلزمه بمساعدة القائمين بمشروع قناة السويس، مساعدة فعالة، تمكنهم من إنجازه بسرعة.
وأقبل، من جهة أخرى، يبذل الوسائل التي كان هو أدرى الناس بنجاحها عند السلطان ووزرائه: فشرع يظهر (لعبد العزيز) كل ما استطاع إظهاره من مظاهر التعظيم والاحترام والإجلال؛ ويظهر لوزرائه ما طاب وحسن من ضروب الإكرام لدرايته بعظم وقعها من نفس متبوعه وأنفسهم؛ وأخذ، في الوقت عينه، يقدم لهم جميعا، من الهدايا والتقدمات والأعلاق النفيسة، ما لم يكن له بد من تسكين هياجهم عليه، وإزالة ما علق بخواطرهم من النفور منه والانحراف عنه.
ولم يكتف بذلك؛ بل إنه، بعد رجوع السلطان من سياحته إلى عاصمته، عن طريق برلين وڨيينا ونهر الطونة، عرج على الأستانة، في عودته إلى مصر، وأقام فيها يجامل ربها ووزراءه، حتى حملهم على إصدار فرمان شهر سبتمبر التالي سنة 1867 المفسر ما غمض والتبس فيه من عبارات فرمان 8 يونية السابق.
وأما الجزية، فإنه لم يكن يمكن التفكير، البتة، في قطعها عن تركيا: لأن جميع الامتيازات، التي نيلت، إنما أمكن نيلها، وجميع القيود التي كسرت، إنما أمكن كسرها، برفع مقدار المال المعطى سنويا من مصر إلى السلطان، رفعا مستمرا، فلأجل قطع الجزية، إذا، كان يجب أن تسبق مصر بلغاريا إلى العمل الذي عملته هذه الدولة في سنة 1908، وتعلن تقلص ظل السيادة العثمانية عنها، ووثوبها إلى بحبوحة الاستقلال التام.
على أنه لو فرض، وتمكنت من عمل ذلك، فقد كان من المحتمل، في تلك الأيام، أن لا تجد فيه مصلحتها: لأنها ربما تعرضت، والوقت غير مناسب، إلى حرب مع تركيا؛ فقد كانت تجر عليها ويلات جسيمة، أقلها إعادة مأساة سنة 1840.
ناپیژندل شوی مخ