مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
الوكيل الفرنسي تفصيلات هذا الحادث إلى حكومته في رسالة بعث بها إليها من رشيد في 8 مايو 1803.
وقد تقدم كيف سعى خورشيد يوسط الوكلاء الإنجليز لدى البكوات بعد مقتل علي الجزائرلي، حتى يرضى به هؤلاء واليا على مصر في المكان الذي شعر بوفاة علي باشا، وقامت المفاوضات بينه وبين البكوات حول هذا الموضوع فترة من الزمن، وتولى الوكلاء الإنجليز الوساطة بين الفريقين، ولكن هذه المفاوضات لم تلبث أن أخفقت - كما أوضحنا - عندما جعل البكوات تولي الباشوية مشروطا بتسليم الإسكندرية لهم.
ولكن خورشيد سرعان ما استأنف - على ما يبدو - مفاوضاته من أجل تولي منصب الباشوية عندما زادت الاضطرابات في القاهرة، وظهر ضعف حكومة البكوات، وصار من المتوقع أن يحدث الاصطدام قريبا بين البكوات والأرنئود، غير أن المفاوضات في هذه المرة كانت مع محمد علي .
وهناك ما يحمل على الاعتقاد قطعا بأن ثمة تفاهما أو اتفاقا قد تم فعلا بين محمد علي وخورشيد على أن يتولى الأخير باشوية القاهرة، يؤيد ذلك أن «محمد علي» في منتصف ليل 12 مارس؛ أي في الوقت الذي كان فيه جنده يحاصرون بيتي البرديسي وإبراهيم بك «أرسل جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الإسكندرية بولايته على مصر، فذهبوا به إلى القاضي، وأطلعوه عليه وأمروه بأن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط الناس علما بذلك، فلما أصبح؛ أي يوم 12 مارس - وهو اليوم الذي استطاع فيه كل من البرديسي وإبراهيم بك الخروج من القاهرة بشق الأنفس - أرسل إليهم؛ أي أرسل القاضي إلى المشايخ يدعوهم للاجتماع، فقالوا لا تفتح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة، فأرسله؛ أي الفرمان إليهم، وأطلعوا عليه وأشيع ذلك بين الناس.»
وفضلا عن ذلك فإنه لم يمض يومان على إذاعة خبر هذا الفرمان، حتى كان جماعة من العسكر الأرنئود قد جاءوا إلى الإسكندرية يبلغونه إلى خورشيد، فقال «ماثيو لسبس» في رسالته إلى حكومته في 16 مارس، «إن جندا من الأرنئود حضروا إلى الإسكندرية مساء يوم 15 مارس يعلنون إلى خورشيد خبر قراءة فرمانات من الباب العالي في القاهرة بتنصيبه واليا على مصر، كما قالوا إن القاهرة في هدوء شامل.»
واستطرد «ماثيو لسبس» يقول: «ويبدو أن خورشيد قد تعاون مع محمد علي في تدبير هذه الحركة»، كما قال «لسبس» إن خورشيد قد أكد له صحة هذا الخبر وأنه سوف يغادر الإسكندرية فورا إلى القاهرة في صحبة حرس من الأرنئود يبلغون الخمسمائة في انتظاره، وقد ذكر «لسبس» أيضا أن طابيات الإسكندرية قد أطلقت مدافعها لإعلان ولاية خورشيد على مصر، «وإيذانا بأن هذه البلاد قد خضعت لقوانين وسيطرة السلطان العثماني»، وعندما وصلت القسطنطينية أخبار طرد حكومة البكوات وتولية خورشيد في القاهرة، كتب «ستراتون» من السفارة الإنجليزية بالقسطنطينية إلى اللورد «هوكسيري» في 10 أبريل يبلغه ما وقع، ويعزو حدوث هذه الحركة برمتها إلى اتفاق سابق بين الأرنئود وخورشيد باشا ، فقال: «إن حركة الأرنئود لا يبدو أنها كانت بإيعاز من الباب العالي، وإنما مبعثها أن الأرنئود لا يثقون في المماليك، ولأنهم غير راضين عن مركزهم في مصر لشعورهم بأنهم خانوا مصالح السلطان، ولما كان قد عظم قلقهم ورغبوا في العودة إلى ساحة الرضا السلطاني؛ فقد دبروا بأنفسهم الخطة التي أقصت البكوات عن حكومة القاهرة وعرضوها على خورشيد باشا، وأظهروا استعدادهم لتنفيذها إذا لم يعارضها خورشيد نفسه؛ برهانا على ندمهم الصحيح، وكعمل يستطيعون به التكفير عن خطاياهم الماضية ووسيلة لإزالة الأثر الذي خلفه مسلكهم السيئ في الماضي، وهكذا، فإنهم بعد الفراغ من تنفيذ هذه الخطة بادروا بدعوة خورشيد باشا الذي لم يبد عدم رضاه عن هذا المشروع، كما لم يبد في الوقت نفسه موافقته عليه، وقابلوه بكل مظاهر الاحترام.»
ولا يقلل من الاعتقاد بوجود هذا التفاهم أو الاتفاق بين خورشيد ومحمد علي أن الأخير بالرغم من إذاعته خبر الفرمان الذي وصله من خورشيد باشا قد عمد بعد ساعات قليلة إلى المناداة بولاية خسرو باشا؛ إذ يبدو أن «محمد علي» كان مطمئنا سلفا إلى أن زعماء الأرنئود لن يرضوا بولاية رجل ينتمي لأولئك الإنكشارية الذين فتكوا بطاهر باشا، وقد حدث فعلا - كما رأينا - أن عارض أقرباء طاهر باشا في ولاية خسرو معارضة شديدة، فلم يكن غرضه من هذه الخطوة إذن وفي ضوء ما وقع من حوادث في أثناء الانقلاب أو بعده؛ سوى المبادرة بإعلان نزاهة الدوافع التي جعلته ينقلب على حكومة البكوات حلفائه، والتي مبعثها رغبته في إخضاع القاهرة مرة أخرى لسيادة السلطان العثماني الشرعية، وأنه لا يرجو نفعا خاصا لشخصه من هذه الفعلة.
ولا جدال في أن المناداة بولاية خسرو قد سببت زيادة انعطاف أهل القاهرة ومشايخهم إلى محمد علي وازدياد وثوقهم بخلوص نواياه؛ فقد قابلوا هذه الولاية بالفرح وذهب المشايخ والرؤساء الشعبيون - كما قدمنا - لتهنئة خسرو باشا، ورأى القاهريون في إعادته إلى الولاية عدلا وتعويضا له عن تنحيته السابقة وسجنه.
فلما عارض الأرنئود وصمموا على إبعاده «تركهم محمد علي - على حد قول «مانجان» - يفعلون ما يريدون بعد أن نال بغيته»، وفضلا عن ذلك فقد كانت المناداة بولاية خسرو تنطوي على معنى أعمق لم يكن من المنتظر أن يفوت مغزاه على خورشيد نفسه، هو أن «محمد علي» قد بلغ من القوة ما يجعله قادرا على تنصيب الولاة وعزلهم، وأن خورشيد باشا لا مندوحة له عند استلام مهام منصبه عن أن يدخل في حسابه هذه القوة التي تتوافر الأدلة على أنها لن تتخلى عن السلطة التي لها في تصريف شئون الحكم والإدارة.
وهكذا أوجز المعاصرون ما اعتبروه مقاصد محمد علي من مبادرته بتولية خسرو باشا، فقالوا: «إن اتخاذ هذه الخطوة قد أسدل حجابا كثيفا على مشروعاته، وأبرز - في جلاء - احترامه للباب العالي، وقدم المسوغ الضروري لتبرير تلك الخيانة التي ارتكبت في حق البرديسي وزادت من مكانة محمد علي أكثر من أي وقت مضى مع الشعب والعلماء، وجعلته لذلك ينظر في اطمئنان وثقة إلى المستقبل.»
ناپیژندل شوی مخ