مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وعبثا صار المشايخ يتوسطون لديهم لرفعها، ويذكر «ماثيو لسبس» في رسالة له إلى «دروفتي» في 21 يناير 1804 ثم في رسالة أخرى إلى «تاليران» في اليوم نفسه أن المشايخ عندما شكوا إلى البكوات من أعمال النهب والقتل التي تقع يوميا من الأرنئود، أجاب البكوات بأنهم ليسوا على درجة من القوة تمكنهم من محاصرة الأرنئود داخل أسوار القاهرة والقضاء عليهم، ولكنهم وعدوا المشايخ «بأن يوم الانتقام قريب.»
واعتقد «لسبس» أن البكوات سوف ينتهزون فرصة إرسال جند على الجزائرلي إلى الشام أو إلى مكة بحراسة عدد كبير من الأرنئود، وابتعاد هؤلاء الأخيرين عن القاهرة تبعا لذلك، فيوقعون بالباقين منهم بالقاهرة والجهات الأخرى ويهلكونهم رويدا رويدا.
وكان وقوف البكوات على محاولات علي الجزائرلي مع الأرنئود لاستمالتهم إلى تأييده؛ من الأسباب التي جعلتهم يبيتون النية على الفتك بهم في أول فرصة سانحة، ولكن ذيوع مثل هذه الشائعات جعل الأرنئود وقتئذ يصممون على العودة إلى القاهرة مع جند علي باشا، وقال «لسبس» «ويا لويل القاهرة التعيسة عندئذ من رجوع الأرنئود إليها!»
وزادت غطرسة الأرنئود بعد عودتهم إلى القاهرة واشتطوا في اعتداءاتهم على الأهلين، ثم لم يلبث أن زاد الحال سوءا بعد حادث مطاردة الألفي الكبير، وفي فبراير 1804 كتب «مسيت» إلى حكومته أن البرديسي يشكو مر الشكوى من عجزه عن اتخاذ أية وسائل لحفظ البلاد من الغزو الأجنبي - الموضوع الذي يهتم به مسيت قبل أي شيء آخر للأسباب المعروفة - وذلك بسبب وجود الأرنئود الذين لا نظام لهم والذين كانوا متمردين على البكوات، والذين لا يمكن الاعتماد عليهم بحال من الأحوال؛ لما يثيره وجود البرديسي نفسه على رأس الحكم من عوامل الحسد والغيرة في نفوسهم، وصار البرديسي - لذلك - ينتظر وصول نجدة بريطانية «ومن الهند على نحو ما مناه به مسيت نفسه» لطرد الأرنئود وإعادة الهدوء والسكينة إلى البلاد.
وأما الأرنئود فقد استمروا في غيهم، كما زاد من عجرفتهم أنهم صاروا كذلك ينظرون للبكوات بعين الاحتقار الشديد بعد أن شاهدوا انقسامهم على أنفسهم، وخروج البرديسي لمطاردة الألفي ضاربا عرض الحائط بكل الاعتبارات التي كان من الواجب أن تمنعه من مقاتلة أخ وشقيق له.
وتوقف مصير حكومة البكوات في القاهرة على مسلك محمد علي زعيم هؤلاء الأرنئود، وكان محمد علي قد صح عزمه هو الآخر على القضاء على حكومتهم وطردهم من القاهرة، واستهدف محمد علي من القيام بهذا الانقلاب الذي بيت النية عليه تحقيق مزايا عدة، فقد كان واجبا عليه وعلى سائر الرؤساء الألبانيين مغادرة البلاد؛ نزولا على رغبة الباب العالي التي أفصح عنها في فرمانه أو أمره الصادر للأرنئود في 2 سبتمبر سنة 1803، وكان معنى خروجه ضياع كل ما بذله من جهود لتمكينه من السيطرة والنفوذ في البلاد منذ مقتل طاهر باشا، لا سيما وقد صار في ظل الحكومة المملوكية وتحت ستارها القوة المحركة في مصر، وفي استطاعته - كما أوضحنا سابقا - إذا هو عرف كيف يفيد من المركز الذي صار له - أن يستأثر في آخر الأمر بالباشوية ذاتها.
زد على ذلك - وعلى نحو ما كتب «مسيت» في 12 مارس 1804 - أنه وقد سبق له أن شق عصا الطاعة على السلطان، لم يكن واثقا من صدق نوايا الباب العالي نحوه وأن الباب العالي سوف يغفر له ولسائر الرؤساء الأرنئود - الذين كانوا في وضع مشابه لوضعه - كل ذنوبهم وخطاياهم السابقة.
بل إن مسيت لم يلبث أن عزا في رسالته هذه السبب الذي جعل «محمد علي» يتودد إلى «ماثيو لسبس» ويسعى لكسب صداقته، إلى رغبة محمد علي في الاستناد على مناصرة فرنسا له ضد مكائد الباب العالي الذي توقع محمد علي أنه لن يعدم الوسيلة - إذا هو عاد إلى وطنه - للقضاء عليه واغتياله سرا فلم يكن في نيته لذلك مغادرة مصر وتركها.
واشترك محمد علي في مؤامرة دعوة علي الجزائرلي إلى القاهرة، وكان في صالحه - ولا شك - التخلص من الجزائرلي، ولو أنه لم يشترك في تدبير تلك الجريمة السياسية التي ارتكبها البرديسي، وكان هو وحده المسئول عنها، والتي أوقفت المماليك والبكوات وجها لوجه وفي عداء سافر أمام القسطنطينية، ومع ذلك فقد كان واضحا بسبب محالفته مع البكوات أنه لا مفر من أن يتحمل هو الآخر شطرا من هذه المسئولية سوف تزداد خطورته بمرور الأيام، وطالما بقي إلى جانب البكوات، يعمل معهم ويشد من أزرهم، وطالما ظل ممتنعا عن إطاعة أوامر السلطان، ومبارحة القطر للعودة إلى وطنه مع سائر الرؤساء والجند الأرنئود، فكان لا مناص حينئذ من أن يقوم بعمل أو انقلاب يتوخى منه زوال صفة العصيان والتمرد عنه، ويقيم الدليل على أنه إنما يريد إرجاع هذه البلاد إلى حظيرة الدولة ويقضي على خصومها، فيسترد بذلك رضا الباب العالي عنه، وحتى يضرب الباب العالي صفحا عن أوامره السابقة لإبعاده من مصر، ويصير ينظر إليه كالرجل الذي لا غنى عن بقائه في مصر لتعزيز سلطان صاحب السيادة الشرعية عليها.
وكان لا سبيل لتحقيق هذه الأغراض كلها إلا بطرد البكوات من القاهرة، وبعد حادث انقسام البكوات الأخير ومطاردة البرديسي للألفي لم تعد هذه بالمهمة الشاقة العسيرة.
ناپیژندل شوی مخ