مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وقد أسفر الصراع بين السياستين: الإنجليزية والفرنسية عن جملة أمور: أولها أن صلات الوكلاء الإنجليز والفرنسيين بالبكوات في مصر ومسعى رجال سفارتيهم في القسطنطينية في صالح هؤلاء؛ قد جعل البكوات يصرون على استمساكهم بما اعتبروه حقا لهم في أن يستأثروا بالحكومة الفعلية في مصر، كما نجم عن توسط الإنجليز والفرنسيين في القسطنطينية في مسألتهم أن ازداد الباب العالي تشبثا بموقفه فلم ينزل عن إصراره على طرد البكوات وإخراجهم من مصر كلية إلا عندما وجد زمام الأمور يفلت من يده في مصر، وصار البكوات أصحاب السلطة الفعلية في القاهرة وفي البلاد بأسرها، فلم يبق خارجا عن سيطرتهم سوى الإسكندرية، بل وصاروا يهددون الإسكندرية ذاتها، وعندئذ لم يكن لتسليم الباب العالي بالأمر الواقع الأثر الذي توقعته تركيا؛ لأن البكوات لم يثقوا في نواياها وقتلوا «الباشا» الذي عينته القسطنطينية «علي الجزائرلي»، كما لم يحدث الأثر الذي ظلت ترجوه الحكومة الإنجليزية من مدة طويلة؛ أي قيام الحكومة المستقرة في مصر؛ لأن البكوات كانوا منقسمين على أنفسهم وتعذر اتحادهم بسبب المنافسة الشديدة بين الألفي صنيعة الإنجليز، والبرديسي الممالئ للإنجليز وللفرنسيين على السواء سعيا وراء نفعه الخاص ومصلحته الشخصية، ففقد البكوات بعد ذلك حكومة القاهرة في انقلاب «مارس 1804»، واستؤنف النضال بينهم وبين «الباشا» الجديد أحمد خورشيد، الذي اضطر الباب العالي لتثبيته نزولا على الأمر الواقع بعد أن زيف أصحاب الانقلاب تقليده الولاية تزييفا، واستمرت الحرب الأهلية على شدتها، وعجزت حكومة أحمد خورشيد عن القضاء على الفوضى السياسية المنتشرة في البلاد.
وفي أثناء الصراع السياسي بين إنجلترا وفرنسا في مصر، اعتبرت كلا الدولتين أن وجود الأجناد الألبانيين «أو الأرنئود» ورؤسائهم من أشد عوامل الفوضى السياسية خطورة، ولم يفطن الوكلاء الإنجليز والفرنسيون في غمرة نشاطهم مع البكوات المماليك إلى ما قد يمكن أن يؤديه أحد رؤساء هؤلاء الأرنئود «محمد علي» من خدمات قد تساعد على استقرار الأوضاع في مصر وإقامة حكومة موطدة بها، فاعتبره «ماثيو لسبس» رجلا لا عبقرية ولا كفاءة له، وبذل «مسيت» قصارى جهده لإبعاده عن مصر.
وعندما نودي بولاية محمد علي في 1805، ظل «مسيت» يعتبره خصما لدودا للمصالح الإنجليزية في مصر ومناصرا للمصالح الفرنسية، واستمر يسعى لعزله وإبعاده، بينما كان بفضل تنبه الوكيل الفرنسي «دروفتي» أخيرا إلى ضرورة تأييد محمد علي لتعطيل نشاط الإنجليز كسياسة إيجابية اتبعها القنصل الفرنسي على مسئوليته الشخصية، أن نشأ ذلك التعاون الوثيق بين «دروفتي» وحكومة محمد علي لدفع العدوان الإنجليزي عندما جاءت حملة فريزر إلى الإسكندرية بعد ذلك بعامين تقريبا.
وقد ترتب على ما حدث من تضارب بين السياستين: الإنجليزية والفرنسية، ثم عجز الباب العالي عن فرض سيطرته على مصر، وعجز البكوات المماليك بسبب انقسامهم - أكثر من أي سبب آخر - عن الظفر بحكومة البلاد الفعلية، أن ظلت الفوضى السياسية ضاربة أطنابها في البلاد، فلم يفلح تعيين علي الجزائرلي أو صفح الباب العالي عن البكوات واعترافه بحكومتهم في القاهرة في إنهاء هذه الفوضى، بل زاد من حدتها، كما لم يفلح تثبيته لأحمد خورشيد في باشوية القاهرة، في إقامة صرح الحكومة الموطدة المستقرة.
ولم يكن لما وقع من حوادث في فترة هذه الفوضى السياسية منذ أن خرج الفرنسيون من البلاد واسترجع السلطان العثماني سيادته الشرعية عليها، سوى أثر واقعي واحد هو تهيئة الأسباب التي ساعدت على ظهور محمد علي، عندما عرف هذا كيف يفيد من ظروف الفوضى السياسية؛ لشق طريقه إلى الولاية.
وقد يعتقد بعض الناس - اعتقادا مبعثه الميل لإطلاق العنان للخيال حتى يسبح في عالم الأقاصيص والأساطير الوهمية - عند الكلام عن حدث من الأحداث الفريدة، أن «محمد علي» وقف متفرجا يشهد ما يمر به من حوادث دون أن يكون له شأن بها ودون أن يكون له يد فيها، حتى هب الشعب بتوجيه زعمائه ورؤسائه يطلب من هذا الزعيم الألباني الذي واساه في محنته أيام حكومة البكوات في القاهرة، ثم أيام باشوية أحمد خورشيد بعد ذلك أن يتولى هو منصب الولاية، هكذا من تلقاء نفسه ودون أن يسعى محمد علي نفسه لهذه الباشوية.
ومع ذلك فقد آن الأوان لتصحيح هذه الصورة الخيالية، التي إلى جانب أنها لا تظهر «محمد علي» على حقيقته كرجل له من صفات المغامر الحربي ما يمنعه من الوقوف مكتوف اليدين أمام ما يقع يوميا من حوادث لا يمكن أن يغيب عن فطنته مغزاها، فهي صورة لا تتفق مع الحقيقة والواقع، وقد ذكرنا كيف أن معركة دمنهور (20 نوفمبر 1802) قد حددت قطعا بداية ذلك التطور الذي طرأ على موقف محمد علي من مجريات الأمور في مصر.
والحقيقة أنه صار لمحمد علي من ذلك الحين برنامج للعمل واضح المعالم، يهدف بصورة رتيبة متسقة إلى غرض واحد هو الوصول إلى الولاية، فقد أدرك من أول الأمر أن هناك عقبات معينة قد تحول دون وصوله إلى الحكم إذا ظلت محتفظة بقواها كعوامل لا سبيل لنكران أثرها في تكييف وضع البلاد، وهو وضع يبقي الفوضى السياسية على حالها، بل ويزيد من حدتها، ثم إنها قد تساعده على الوصول إلى الحكم إذا عرف كيف يتدبر أمرها ويخضد من شوكتها، ويترتب على نجاحه عندئذ إنهاء هذه الفوضى السياسية ذاتها وإقامة صرح الحكومة المستقرة الموطدة، وأما هذه العوامل أو القوى فكانت أولا الباشا العثماني: ويستند هذا في ممارسة سلطته سواء أكانت حقيقية أم وهمية على فرمان الباب العالي صاحب السيادة الشرعية على البلاد. وقد يكون هذا الباشا صاحب قدرة ودهاء أو صاحب أطماع ويعتمد في دعم أركان باشويته على ما قد ينتظره من نجدات من تركيا، أو ما قد يستقدمه هو فعلا من عسكر لمعاضدته، أو يستند في قيام حكومته على طائفة معينة من الأجناد.
ثم هناك ثانيا: الأرنئود، وهؤلاء كانت لهم الكثرة العددية على سائر الأجناد من إنكشارية وغيرهم، وكانوا عنصر فوضى واضطراب، يعيثون فسادا في البلاد، وينهبون ويسلبون ويقيلون، عجز الباشوات عن ردعهم عندما عجزوا بسبب خلو الخزانة دائما من المال عن دفع مرتباتهم المتأخرة لهم.
ثم هناك ثالثا: البكوات المماليك، وهؤلاء - مهما عظمت انقساماتهم واشتدت خلافاتهم فيما بينهم - كان يجمعهم أمر واحد هو رغبتهم في استرداد سلطانهم المفقود، والسيطرة على حكومة البلاد الفعلية، والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو الفرنسي.
ناپیژندل شوی مخ