352

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

هذه الرسالة وصلت محمد علي في أوائل فبراير 1811، وفي أوائل الشهر التالي وصلته من القسطنطينية رسالة أخرى من محمد عارف أفندي الذي قال: إنه يعمل يدا واحدة مع محمد نجيب أفندي، وفي هذه الرسالة المؤرخة في 24 فبراير 1811، ألح محمد عارف أفندي في ضرورة إنفاذ الجيش إلى الحجاز، وراح يؤكد للباشا أنه ما إن يصل القسطنطينية الخبر بقيام طوسون باشا، حتى تجاب جميع مطالب محمد علي من الباب العالي.

وكان أن راح البكوات يسعون لتضليل محمد علي من ناحية، ثم للفتك بحياته من ناحية أخرى، فمع أن بكوات الصعيد كانوا يتراسلون مع سليمان باشا - كما كان يتراسل معه كذلك شاهين الألفي - فقد بعثوا بمندوب عنهم لمفاوضة الباشا حتى يشغلوه عن أغراضهم الحقيقية، فطلبوا الاستئثار بالصعيد بأسره؛ أي العودة إلى ما كانوا عليه قبل هزيمتهم بقنطرة اللاهون والبهنسا، وهم يعرفون جيد المعرفة أن الباشا الذي اضطر إلى خوض غمار الحرب معهم وألحق بهم الهزيمة الساحقة، لم يقبل بحال هذه العروض، ولن يتم أي صلح بينه وبينهم إلا على أساس الاعتراف - دون التواء - بسيادته وسلطانه الكامل على باشويته، وأن لا مفر من حضورهم إلى القاهرة والإقامة بها، فكتب «دروفتي» إلى حكومته في 16 يناير 1811 «أن البكوات يريدون عقد الصلح مع الباشا على أساس الاعتراف بسيادته، في نظير إعطائهم الصعيد إقطاعية لهم، فلم تسفر المفاوضة عن أية نتيجة؛ لأن الباشا ظل مصمما على حضورهم إلى القاهرة والإقامة بها، ووعد إذا هم فعلوا ذلك أن يعطيهم من الأملاك ما يكفيهم إيرادها أن يعيشوا حسب مراتبهم، كما يفعل الباشا مع رؤساء جيشه.»

على أن الذي أقنع الباشا نهائيا أنه لا يمكن أمن جانب البكوات إطلاقا أن راح البكوات المستأمنون بالقاهرة يتآمرون على الغدر به، ذلك أن محمد علي كان قد ذهب إلى السويس في أول فبراير 1811، للإشراف على إعداد السفن اللازمة لنقل جيشه إلى الحجاز، فبلغه وهو هناك أن البكوات قد بيتوا النية على خطفه والفتك به أثناء عودته بطريق الصحراء إلى القاهرة، على غرار ما كانوا دبروه في ديسمبر 1809، فبادر بالعودة سريعا من السويس، وكتب الشيخ الجبرتي أن الباشا وصل القاهرة يوم 26 فبراير 1811 من السويس في سادس ساعة من الليل وقد حضر على هجين بمفرده، ولم يصحبه إلا رجل بدوي على هجين أيضا ليدله على الطريق، وقطع المسافة في إحدى عشر ساعة، وهي المسافة التي تقطع عادة في ثلاثة أيام.

فكانت هذه المؤامرة من العوامل الحاسمة في تعجيل الباشا الإجهاز على البكوات المماليك.

وفي اليوم نفسه وصل صالح قوج حاكم أسيوط إلى القاهرة، وكان موجودا بها قبله حسن باشا، فبدأ من ثم تدبير تفاصيل المكيدة التي أودت بالبكوات في مذبحة القلعة، اشترك في تدبيرها رجال محمد علي الذين وثق بهم، عدا حسن باشا وصالح قوش، كتخدا بك محمد آغا لاظ (لاظ أوغلي)، وسليمان آغا السلحدار، وفي صباح اليوم المتفق عليه لتنفيذ المذبحة اطلع على السر إبراهيم آغا المكلف بحراسة باب العزب، وكان قد تم الاتفاق على اتخاذ الاحتفال بتقليد طوسون قيادة حملة الحجاز ذريعة لدعوة البكوات وأتباعهم إلى القلعة للاشتراك في الموكب الذي رتب خروجه من القلعة، من باب العزب إلى ميدان الرميلة.

ففي يوم 26 فبراير قلد الباشا ابنه طوسون باشا صاري عسكر الركب الموجه إلى الحجاز، وأخرجوا جيشهم إلى ناحية قبة العزب (القبة)، ونصبوا عرضيا وخياما، وأظهر الباشا الاجتهاد الزائد والعجلة وعدم التواني في إنفاذ جيشه إلى الحجاز، ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام لتمليك يوسف باشا (كنج) لمحله، وصاري عسكرهم شاهين بك الألفي.

وسبك الباشا الحيلة، فطلب من المنجمين أن يختاروا وقتا صالحا لإلباس ابنه خلعة السفر، فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة، أول مارس 1811.

وفي 28 فبراير، وزعت التنابيه أو أوراق الدعوة لحضور الاحتفال على كبار العسكر والأعيان، وكل ذي حيثية، وبطبيعة الحال الأمراء المصرية الألفية وغيرهم يطلبونهم جميعا للحضور في باكر النهار إلى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أمام الموكب، وجرى توزيع رقاع الدعوة هذه بصورة لفتت أنظار العامة وسائر الناس، عرف الجميع أن موكبا فخما سوف يخرج بصورة رائعة من القلعة صبيحة اليوم التالي، وكان الغرض من هذه الجلبة أن يرسخ الاعتقاد في أذهان البكوات وأتباعهم أن دعوتهم للاشتراك في الاحتفال المزمع بريئة، فلا يحتاطون ولا يأخذون حذرهم.

وفي اليوم التالي - أول مارس - وقعت المذبحة.

وتتفق روايات المعاصرين عن هذه المذبحة وما تلاها، ولو أن رواية الشيخ الجبرتي أوفى في تفاصيلها عن سواها، ليس لاهتمامه بتسجيل ما يجري في إسهاب دائما - وهو الذي لزم في المدة الأخيرة الإيجاز في أكثر ما يكتب، إلا فيما اتصل بأخبار البكوات وأساليب الباشا المالية والغلاء، واعتداءات الجند على الأهلين - ولكن لأن ما جرى في ذلك اليوم كان حدثا مدويا حقا، ولأن المذبحة أجهزت على البكوات الذين اعتبرهم الشيخ دائما مصريين، وكان يود لو أنهم استطاعوا الانتصار على الباشا وزحزحة الطاغية - في نظره - عن عرشه، فقضت خاتمتهم المروعة هذه على كل أمل لدى الشيخ في إنهاء حكم محمد علي.

ناپیژندل شوی مخ